الانتخابات البلدية والاختيارية في بعلبك-الهرمل: بين الحزبية والعائلية… أي معادلة تحكم التوازنات؟

تشكل الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة بعلبك-الهرمل محطة مفصلية تتجاوز البعد الإداري، لتكشف عن توازنات سياسية واجتماعية معقدة تحكم المشهد المحلي. ففي هذه المنطقة التي تتميز بتركيبتها العائلية المتشابكة وتأثير الأحزاب القوي، تصبح الانتخابات اختبارًا دقيقًا لمعادلة النفوذ بين العائلات من جهة، والقوى السياسية، ولا سيما الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، من جهة أخرى. ومع اقتراب هذا الاستحقاق، يعود الجدل حول الدور الحزبي في تشكيل اللوائح الانتخابية، ومدى إمكانية التوفيق بين الحضور الحزبي الفاعل في المدن الكبرى، وترك هامش أوسع للعائلات لاختيار ممثليها في القرى الصغيرة.

 

الثنائي الشيعي والانتخابات البلدية: مقاربة بين الحسم والتوافق

لطالما لعب الثنائي الشيعي دورًا رئيسيًا في إدارة المشهد البلدي في بعلبك-الهرمل، متبنّيًا نهجين مختلفين وفق مقتضيات الواقع:

 

لوائح توافقية: يتم فيها الجمع بين الحزبيين والمستقلين لضمان تمثيل أوسع وتخفيف الاحتقان الاجتماعي.

الحسم الحزبي: حيث يتم فرض لوائح مدعومة بالكامل من الثنائي، وفق اعتبارات سياسية وإنمائية.

ويعود هذا النهج إلى عدة عوامل رئيسية:

 

ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي: إذ يشكل التدخل الحزبي وسيلة للحد من الصراعات العائلية والطائفية التي قد تنشأ في ظل تنافس مفتوح.

الحفاظ على استمرارية المشاريع الإنمائية: حيث ترى الأحزاب أن وجود مجالس بلدية منسجمة معها يضمن تنفيذ الخطط التنموية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة.

مراقبة التوازنات المحلية: فالانتخابات البلدية تشكل مؤشرًا لموازين القوى في المنطقة، ما يدفع الأحزاب إلى ترسيخ حضورها في المجالس المنتخبة.

بين المدن والقرى: هل ينجح التوزيع بين الحزبية والعائلية؟

مع ارتفاع حدة النقاش، برز مقترح يقضي بتمييز آلية تشكيل اللوائح بين المدن والقرى، بحيث:

 

يكون للحضور الحزبي دور رئيسي في المدن الكبرى، مثل بعلبك والهرمل، نظرًا لحجم المشاريع الإنمائية التي تتطلب خبرات إدارية وقدرة على التواصل مع الجهات الرسمية.

يُترك الخيار للعائلات في القرى الصغيرة، حيث تسود التقاليد العائلية، ويكون التوافق أكثر سهولة دون الحاجة إلى تدخل حزبي مباشر.

مبررات الحضور الحزبي في المدن الكبرى:

 

وجود مشاريع تنموية تحتاج إلى إدارة قوية وخطط بعيدة المدى.

تعدد العائلات قد يؤدي إلى خلافات تؤثر على العمل البلدي.

ضرورة وجود مجالس قادرة على التعامل مع المؤسسات الرسمية والجهات المانحة.

مبررات ترك القرى للتوازنات العائلية:

 

طبيعة المجتمع القروي أكثر تجانسًا، مما يسهل التوافق بعيدًا عن التجاذبات السياسية.

العمل البلدي في القرى يتركز على الخدمات المباشرة، التي لا تتطلب إدارة ذات طابع حزبي.

تقليل الاحتقان الاجتماعي الناجم عن فرض لوائح حزبية في بيئات قائمة على الاعتبارات العائلية.

الجدل حول هذه المقاربة

على الرغم من أن هذا الطرح قد يبدو متوازنًا، إلا أنه يفتح الباب أمام تساؤلات معقدة:

 

هل سيؤدي تقليل التدخل الحزبي في القرى إلى فراغ إداري أو تصاعد الخلافات العائلية؟

كيف سيتم ضبط التنافس العائلي دون إطار حزبي منظم؟

هل ستقبل الأحزاب بهذه المقاربة، أم أنها ستفضل الاحتفاظ بنفوذها في كل المناطق؟

معادلة دقيقة بين النفوذ والاستقرار

ليست الانتخابات البلدية في بعلبك-الهرمل مجرد استحقاق إداري، بل هي امتداد للمشهد السياسي والاجتماعي في المنطقة. وبينما يبقى حضور الثنائي الشيعي عنصرًا ثابتًا، فإن محاولة الفصل بين الحضور الحزبي في المدن والتوازنات العائلية في القرى قد تشكل تجربة جديدة، لكنها تبقى رهينة توافق واسع يأخذ في الاعتبار خصوصيات المنطقة، ويوازن بين ضرورات التنمية والاستقرار. فهل تكون هذه المقاربة مقدمة لنموذج مختلف في إدارة الانتخابات البلدية، أم أنها مجرد نقاش نظري لن يغير من واقع النفوذ القائم؟

الاعلامي حسين الحاج رئيس تحرير ميدان برس