من العراق إلى لبنان: رحلة العودة المنسية في زمن الأزمات

بينما كان يقف لبنان على حافة الألم تحت وطأة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، تحوّلت العديد من مدنه وقراه إلى ساحات نزوح جماعي، حيث وجد آلاف اللبنانيين أنفسهم مُجبرين على مغادرة منازلهم بحثًا عن الأمن والأمان. من بين هؤلاء، اختار البعض التوجه نحو سوريا التي فتحت أبوابها لهم بكرم أخوي واستقبلتهم بكل ترحيب، بينما اختار آخرون العراق، هذا البلد الذي لم يتوانَ لحظة عن تأمين كل متطلبات الحياة الكريمة لهم، من مأوى ومأكل واحتضان إنساني ما زال مستمرًا حتى اللحظة.
ولكن اليوم، وفي ظل التحديات القاسية التي يواجهها هؤلاء المهجّرون، ترتفع صرخة مدوية يوجهها اللبنانيون الموجودون في العراق إلى دولتهم ومسؤوليهم: “أعيدونا إلى وطننا”. إنها ليست مجرد دعوة للعودة إلى الأرض التي أُجبروا على مغادرتها، بل هي استغاثة نابعة من القلب، تطالب المسؤولين بأن يتحمّلوامسؤولياتهم الوطنية والإنسانية تجاه أبناء بلدهم، وأن يبادروا إلى تأمين عودتهم دون أن يُثقلوا كاهلهم بمصاريف تفوق قدرتهم.
فبينما تقدمت العراق، مشكورة، بعرض لتأمين عودة اللبنانيين عبر طيرانها الوطني وعلى نفقتها الخاصة، يبقى الموقف الرسمي اللبناني غير واضح، خصوصًا مع إصرار شركة طيران الشرق الأوسط على فرض مبالغ باهظة لا يمكن للكثير من هؤلاء تحمّلها. هي مبالغ تكاد تُجبرهم على “بيع أحد
أعضائهم” – كما يقول بعضهم بمرارة – فقط ليتمكنوا من العودة إلى وطنهم. وطنهم الذي هُجّروا منه قسرًا وليس اختيارًا، وطنهم الذي يحتضن ذكرياتهم وأحلامهم حتى لو باتت أطلالًا بفعل الحرب.
إننا هنا نستذكر ما قاله الشهيد السيد حسن رضوان الله عليه: “المهجرون هم أشرف الناس”. فهم أبناء البيئة التي دفعت أثمانًا باهظة في سبيل الدفاع عن الأرض والكرامة، وهم الذين لم يغادروا أرضهم يومًا إلا مكرهين، ولم يبحثوا عن ملاذٍ آخر إلا حين اشتد عليهم الخطر.
إننا اليوم نطالب الدولة اللبنانية، بجميع مؤسساتها ومسؤوليها، بالتحرك الفوري لتأمين عودة كريمة لهؤلاء المواطنين الذين هُجّروا من بيوتهم. عليهم أن يتحلّوا بالمسؤولية الوطنية والإنسانية وأن يضعوا حدًا لهذا المشهد المؤلم، قبل أن يتحوّل اليأس إلى غضب لا يمكن السيطرة عليه. كما نُحيي كل دولة، سواء كانت سوريا أو العراق أو غيرها، قدّمت يد العون وساهمت في التخفيف من مآسي اللبنانيين.
أخيرًا، يبقى السؤال الذي يُطرح على كل مسؤول: “إذا لم تحموا مواطنيكم في أوقات الشدة، فمن يحميهم؟”. فهل ستصحو ضمائرهم قبل فوات الأوان، أم سيظل المهجّر اللبناني عالقًا بين غُربة مؤقتة ووطن عاجز
الاعلامي حسين الحاج رئيس تحرير ميدان برس