نشرت الخارجية الروسية نص رسالة بعثها الوزير سيرغي لافروف، في 28 كانون الثاني / يناير إلى وزراء خارجية الولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول الأوروبية حول عدم جواز تجزئة الأمن.
وقال لافروف في رسالته: “تعلمون جيدا أن روسيا قلقة للغاية من تنامي التوتر السياسي- العسكري في الجوار المباشر لحدودها الغربية. ومن أجل منع المزيد من التصعيد ، قدم الجانب الروسي في 15 ديسمبر 2021 مسودتين لوثيقتين قانونيتين دوليتين مترابطتين – معاهدة بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الضمانات الأمنية، واتفاقية حول إجراءات ضمان أمن روسيا والدول الأعضاء في الناتو. ولكن الردود من الولايات المتحدة والناتو على مقترحاتنا الواردة في 26 يناير 2022 تدل على وجود اختلافات كبيرة في فهم مبدأ الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة الذي يعتبر أمرا أساسيا لهيكل الأمن الأوروبي بأكمله.
ونرى أنه من الضروري توضيح هذا الموضوع الحاسم على الفور من وجهة نظر آفاق الحوار ومستقبله اللاحق. تمت في ميثاق الأمن الأوروبي، الذي جرى توقيعه في قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في اسطنبول في نوفمبر 1999، صياغة الحقوق والالتزامات الأساسية للدول الأعضاء في المنظمة فيما يتعلق بعدم قابلية الأمن للتجزئة. وتم التأكيد على حق كل دولة مشاركة في اختيار أو تغيير طريقة ضمان أمنها بحرية، بما في ذلك المعاهدات التحالفية خلال تطورها، وكذلك حقها في الحياد. وفي نفس الفقرة من الميثاق، تمت الإشارة بشكل مباشر إلى التزام كل دولة بعدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين. وهناك جاء أيضا أنه لا يجوز منح أي دولة أو مجموعة دول أو منظمة، المسؤولية الأساسية عن الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو اعتبار أي جزء منها كمجال لنفوذها. وفي قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أستانا في ديسمبر 2010، وافق قادة بلداننا على إعلان تؤكد تثبيت هذه الحزمة الشاملة من الالتزامات المترابطة فيما بينها. لكن الدول الغربية، تستمر في اختيار البنود الملائمة لها في هذه الحزمة واقتلاعها من السياق العام، وبالذات حق الدول الحر في اختيار التحالفات لضمان أمنها حصريا.
وفي ذات الوقت يتم بشكل خجول ومع تصاعد الأمور تجاهل بند أساسي وهو “عدم قابلية الأمن للتجزئة”، أي ضرورة ابتعاد التحالفات العسكرية عن الوظيفة الأولى لها أي الردع، ودمجها وتكاملها في البنية العامة الأوروبية وذلك على أساس جماعي مشترك، وليس على أساس مجموعات ضيقة. يتم تفسير مبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة بشكل انتقائي لتبرير المسار المتخذ في مجال التوسع غير المسؤول للناتو. ويلفت النظر أن ممثلي الغرب، في تعليقاتهم حول استعدادهم لتطوير حوار حول هيكل أمني في أوروبا، تجنبوا بحذر ذكر ميثاق الأمن الأوروبي وإعلان أستانا. واستندوا فقط على وثائق سابقة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبالذات على ميثاق باريس لعام 1990 حول أوروبا الجديدة، والذي لا يتضمن الالتزام “غير الملائم” الآن، بعدم تعزيز أمن الدول على حساب الآخرين. وتحاول العواصم الغربية كذلك تجاهل أحد الوثائق الرئيسية للمنظمة – مدونة قواعد السلوك لعام 1994 بشأن الجوانب العسكرية والسياسية للأمن، والتي تنص صراحة على أنه عند اختيار طرق لضمان الأمن، بما في ذلك العضوية في التحالفات، ستأخذ هذه الدول في الاعتبار المصالح المشروعة لأمن الدول الأخرى.
لا يجوز أن تسير الأمور بهذا الشكل. يكمن معنى الاتفاقات المتعلقة بعدم قابلية الأمن للتجزئة في أن الأمن، إما واحد للجميع، أو لا يكون هنا أي أمن لأي أحد. وكما هو منصوص عليه في ميثاق اسطنبول، تتمتع كل دولة مشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحق متساو في الأمن، لا يجوز لأعضاء الناتو تفسير هذا الحق بأنه حصري ويشمل فقط أعضاء الحلف. لن أعلق على تصرفات وأعمال الناتو الأخرى، المتمثلة في سعي هذا التحالف ورغبته في التفوق العسكري واستخدام القوة للالتفاف على صلاحيات مجلس الأمن الدولي. فقط سأقول إن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع الالتزامات الأوروبية الأساسية، بما في ذلك الالتزامات الواردة في الوثائق المذكورة بالحفاظ على القدرات العسكرية “بما يتناسب مع الاحتياجات الأمنية الفردية أو الجماعية المشروعة، مع مراعاة الالتزامات بموجب القانون الدولي، وكذلك المصالح المشروعة للدول الأخرى في مجال الأمن. عند الحديث عن الوضع الحالي في أوروبا، يدعو زملاؤنا من الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي باستمرار إلى وقف وخفض التصعيد ويدعون روسيا إلى اختيار طريق الدبلوماسية. نود أن نذكركم: لقد كنا نسير على هذا الطريق على مدى عقود وحتى الآن.
أهم النقاط – وثائق قمتي اسطنبول وأستانا – هي نتيجة مباشرة للدبلوماسية. في الوقت الراهن يحاول الغرب بصراحة مراجعة هذه الإنجازات الدبلوماسية لقادة جميع دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لصالحه، وهو أمر مقلق للغاية. الوضع يتطلب توضيحا صادقا للموقف. نريد الحصول على إجابة واضحة على السؤال حول كيفية فهم شركائنا لالتزاماتهم بعدم تعزيز أمنهم على حساب أمن الدول الأخرى، على أساس الالتزام بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة؟ كيف بالضبط تعتزم حكوماتكم الوفاء بهذا الالتزام عمليا في ظروف اليوم؟ وإذا كنتم ترفضون هذا الالتزام وتتخلون عنه، فيرجى إبلاغنا بذلك بوضوح. بدون الوضوح الكامل حول هذه القضية الرئيسية المتعلق بالارتباط المتبادل بين الحقوق والالتزامات التي تمت الموافقة عليها على أعلى مستوى، من المستحيل تحقيق توازن المصالح المنصوص عليها في وثائق مؤتمري قمتي اسطنبول وأستانا. ستساعد إجابتكم على فهم أفضل لمدى قدرة شركائنا على التفاوض، فضلا عن إمكانية إحراز تقدم مشترك في تقليل التوتر وتعزيز الأمن الأوروبي المشترك. نتوقع رد فعل سريع. لا ينبغي أن يستغرق الأمر الكثير من الوقت، لأنه يتعلق بتوضيح التفاهم الذي على أساسه وقع رئيسكم (رئيس الوزراء) على الالتزامات المتعلقة بذلك. ننطلق أيضا من ضرورة أن يتمتع الرد على هذه الرسالة بالصفة الوطنية، لأنه تم قبول الالتزامات المذكورة من قبل كل دولة على حدة”.