على وقع التخبّط الإقتصادي والمالي الذي يعيشه لبنان، يجمع الكثير من السياسيين على أن الحل يتمثل بـ “إعادة هيكلة الدين العام”، والتي تعني بلغة الأسواق إعلان إفلاس الدولة، علما أن المسؤولين يعون جيداً ما تحمل هذه العبارة في طياتها، وأن الترقب سيد الموقف لما سيتضمنه البيان الوزاري من خطة طوارئ اقتصادية قد تكون مقرونة بدراسة شركة “ماكينزي“والاسترشاد بتقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
على هذا الصعيد، يقول الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة لـ “لبنان24” إن إعلان إفلاس الدولة بحسب قواعد الأسواق المالية ينص على حالة من ثلاث: عدم قدرة الدولة على دفع مُستحقاتها من الدين العام، رفض الدولة دفع مُستحقاتها من الدين العام، أو إعادة هيكلة الدين العام. وإذا ما اختارت الحكومة الذهاب إلى إعادة هيكلة ديونها فهذا الأمر يفرض الذهاب إلى المجلس النيابي لإقرار قانون جديد عملًا بالدستور اللبناني الذي يفرض موافقة المجلس النيابي على أي إلتزام مالي للدولة اللبنانية (المادة 88 من الدستور).
ولا شك أن الآلية تبدأ عبر طلب الحكومة اللبنانية من صندوق النقد الدولي المساعدة المالية من خلال أحد البرامج التي يُقدّمها الصندوق، والتي يُمكن للبنان أن يستفيد منها نظرًا إلى كونه عضوًا في الصندوق، يقول عجاقة. وهنا تبدأ المفاوضات بين الصندوق والحكومة للإتفاق على شروط المساعدة وتحديد المبالغ المطلوبة. وهنا تبرز مشكلة أساسية في الشروط حيث أن صندوق النقد الدولي يفرض بشكل شبه تلقائي عددا من الشروط التي عادة ما تكون قاسية على المواطنين بهدف إعادة التوازن إلى المالية العامة التي تُشكّل علّة العلل للدول التي هي في حال لبنان.وعن هذه الشروط، يقول عجاقة “هذه الشروط هي شروط تهدف إلى إعادة التوازن إلى موازنة الدولة بهدف الوصول إلى عجز صفر عبر عدد من الإجراءات التي يمكن تصنيفها بأنها اجراءات على المدى المتوسط إلى الطويل حتى يتمكّن البلد من استعادة السيطرة على ماليته العامة. وعلى رأس هذه الاجراءات زيادة الإيرادات من خلال رفع الضرائب (خصوصًا الضريبة على القيمة المُضافة) والرسوم (خصوصًا الرسم على البنزين) وخصخصة العديد من المرافق العامّة (المطار، المرفأ، شركتي الخليوي، أوجيرو، الكازينو، الميدل إيست، كهرباء لبنان…) وغيرها من الإجراءات التي تزيد الإيرادات بشكل مُستدام. أيضًا من بين الإجراءات خفض الإنفاق العام وذلك من خلال سحب الدعم عن كل السلع والبضائع والخدمات (كهرباء، مازوت، الصحة، النظام التقاعدي…)، وخفض الأجور في القطاع العام (40% في اليونان) وخفض إنفاق الدولة وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى خفض الإنفاق بشكل مُستدام (محاربة الفساد…)”.
لكن المشكلة تكمن، بحسب عجاقة، أن الإجراءات الضريبية وسحب الدعم وخفض الأجور هي إجراءات موجعة للمواطن اللبناني، وبالتالي تزيد نسبة الفقر في المراحل الأولى من تطبيق برنامج المُساعدة. إلا أنه على الأمد المُتوسّط إلى البعيد، تتحسّن الأمور ويبدأ تحسّن الوضع الإقتصادي وتنخفض البطالة وتقلّ الضرائب وغيرها.
وعن سؤالنا عن أسباب عدم تطبيق العديد من هذه الاصلاحات علما أنها كانت واردة في العديد من الأوراق الإصلاحية التي تمّ العمل عليها مثل ورقة بعبدا المالية الاقتصادية؟ يُجيب عجاقة “التخبّط السياسي ونظام المحاصصة منعا تطبيق الإصلاحات والتي كانت لتعفينا من الوضع الذي نحن فيه اليوم. وورقة بعبدا كان فيها العديد من الإصلاحات التي تتطابق ومُتطلبات صندوق النقد الدولي إضافة إلى أن كل القوى السياسية وافقت عليها وعلى الرغم من ذلك لم يتمّ تطبيقها!”.
لكن عجاقة يستغرب الحديث عن إعادة هيكلة الدين العام في وقت لم تقم الحكومة بعد بعدد من الخطوات التي تفرض نفسها، والتي هي عبارة عن وضع جردة داخلية لكل المُستحقات التي تنتظر الدولة هذا العام والإيرادات بحسب التواريخ لمعرفة قيمة المبلغ المطلوب. ومعرفة هذا الأخير تسمح للحكومة بالبحث عن مصادر للتمويل التي قد تكون داخلية أو خارجية بحسب حجم هذا المبلغ. فمحاربة الفساد والتهرب الضريبي ومعالجة مشكلة الكهرباء، وإلغاء المؤسسات العامة غير المجدية، وإعادة هيكلة القطاع العام ومعالجة مشكلة الأملاك البحرية والنهرية والأملاك العامة بالإجمال… هي أمور قد تسمح بتوفير المبالغ المطلوبة وحتى إن كان وقت تنفيذ هذه الخطّة أبعد من استحقاق آذار المقبل، إلا أن وضع الخطة والبدء بتنفيذها يغير كثيرا من شروط المفاوضات مع صندوق النقد الدولي!.
وبفرضية لم يتمّ القيام بأي من هذه الأمور، إلى أين يُمكن أن يتطوّر الوضع المالي والإقتصادي؟ هنا يُجيب عجاقة “ستكون الحكومة مُلزمة تنفيذ شروط قاسية قبل الحصول على مساعدات خارجية”.
وعليه، هناك عدد من الخطوات التي يتوجّب على الحكومة العتيدة القيام بها قبل طلب المساعدة من الخارج. إلا أن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال الإمتناع عن طلب مساعدة صندوق النقد الدولي التقنية وهو صاحب الخبرة في مرافقة الدول التي مرّت بحالة لبنان. فهل تطلب الحكومة اللبنانية برنامج مساعدة من صندوق النقد الدولي أم أنها ستجد حلولًا داخلية؟ وحده الوقت كفيل بالرد على هذا السؤال.