في تاريخ الأوطان لحظات مفصلية، تُصاغ فيها معاني الشرف والبطولة بدماء الرجال، ويُكتب المجد لا بالحبر، بل بالتضحية. ومن بين تلك اللحظات، تبرز معركة المالكية، ومن بين أولئك الرجال، يسطع اسم الشهيد النقيب محمد زغيب، بوصفه الرأس الأول في معركة العزة والكرامة.
النقيب محمد زغيب لم يكن مجرّد ضابط في الجيش اللبناني، بل كان قائدًا ميدانيًا ومثالًا في الالتزام الوطني، حمل السلاح لا بصفته العسكرية فقط، بل بإرادة الدفاع عن الأرض والكرامة، في مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان. وفي العام 1948، حين كان الاحتلال الإسرائيلي يزحف على أطراف الجنوب، قرر زغيب ورفاقه في الجيش أن يكتبوا سطرًا جديدًا في تاريخ المقاومة، وكانت المالكية ساحة البطولة.
صانع المجد وباني المعادلة
استُشهد النقيب محمد زغيب في أرض المعركة، ولكن استشهاده لم يكن نهاية، بل بداية. بداية معادلة ثلاثية راسخة أصبحت في ما بعد عنوانًا للسيادة والتحرير: جيش، شعب، مقاومة. لقد مثّل زغيب هذا النموذج بكامل معانيه، حين قاتل إلى جانب أبناء الشعب، وواجه الاحتلال بوطنية صلبة، لا تساوم ولا تتراجع.
دماؤه التي سالت في المالكية لم تكن دماء عابرة. لقد عمدت تراب الجنوب، ورفعت اسم المالكية من قرية في الجغرافيا، إلى رمز في التاريخ. صار اسمه مرادفًا للكرامة، وصورته محفورة في ذاكرة كل لبناني حر.
محاولات التزوير… وتشويه التاريخ
للأسف، وبينما تمر السنوات وتكبر التضحيات، يخرج بعض الأقزام، في محاولة لتشويه هذا التاريخ الناصع. يسعى البعض إلى إدخال أسماء لم تشارك أو لم تثبت مشاركتها وجعلها شهداء، أو لم تكن موجودة أصلًا غفي ميادين الشرف، ضمن لائحة الشهداء الحقيقيين، بهدف تضليل الذاكرة الوطنية وتسييس البطولات واستخدامها لمصالح ضيقة.
إنّ التلاعب بتاريخ معركة المالكية، أو محاولة المساواة بين من استشهد على الجبهة، ومن كان مناصرا أو حاضرا ، ليس مجرد خطأ في التوثيق، بل هو إساءة لدماء الشهداء، واعتداء على كرامة الوطن.
الحقيقة لا تُطمس
رغم كل محاولات التزوير، تبقى الحقيقة أقوى من التزييف. تبقى دماء النقيب محمد زغيب حاضرة، لا تُمحى من الذاكرة، ولا تُزاح من سجل الشرف. وتبقى المالكية شاهدة، بأن أول من كتب اسمها في دفتر المجد، كان ضابطًا مؤمنًا، شريفًا، نقيًا، اسمه محمد زغيب.
في زمن تختلط فيه الأصوات ويكثُر فيه المدّعون، لا بد أن نعيد التأكيد: ليس كل من سقط شهيدًا، كان شهيد الأرض، وليس كل من ذُكر اسمه في المناسبات، كان من صُنّاع المجد. وحدهم الذين واجهوا الرصاص بصدورهم، وسكنوا أرضهم حتى الموت، يستحقون الخلود.
تحية إلى روح النقيب محمد زغيب، شهيد المالكية، وصانع المجد الحقيقي… وتحية لكل من يكتب التاريخ بصدق، ويصونه من التزوير.