عبثيّة التعليم عن بعد: بداية تسرُّب مدرسي مقنّع؟

كتبت زينب حمود في “الاخبار”:

مع انتشار وباء كورونا والتحول إلى التعليم عن بعد، فقد التعليم هيبته وبات مفهومه ملتبساً للأهل والطلاب. «عبثية» مطلقة تتجلّى في متابعة تلاميذ حصصهم الدراسية وهم بملابس النوم، أو مستلقون على الأريكة، أو بوجود بقية أفراد الأسرة. والنتيجة فقدان الجدية في مواكبة العملية التعليمية، سواء بالتوقف عن متابعة الحصص الدراسية، أو تجاهل إرسال الفروض البيتية، أو مقاطع الامتحانات «أونلاين».

«ما نعيشه تسرّب مدرسي مقنّع» بحسب الاختصاصية في الإدارة التربوية فاطمة نصر الله، انطلاقاً من شكاوى الأهالي والمدرّسين حول ردود الفعل السلبية للتلامذة تجاه التعليم. وتوضح أن مفهوم التعليم التبس عند غالبية التلامذة، وخصوصاً من هم في الصفوف الصغيرة الذين يستخدمون الجهاز نفسه للدراسة وللعب الإلكتروني». أما من هم أكبر سناً، فيجدون فرصة للهروب من الحصص إلى مصادر تسلية أخرى على الجهاز. هذا الواقع أدى إلى «تراجع ملحوظ في التحصيل العلمي والمخزون المعرفي أخيراً، وسيجبر المدارس على وضع أنظمة تربوية بعد انتهاء الجائحة، لترميم المعلومات التي فقدت خلال فترة اعتماد التعليم عن بعد، وخصوصاً في المواد العلمية التي تترابط المعلومات فيها وتتكامل بين سنة دراسية وأخرى»، على ما تقول نصر الله.

وتعزو عدم الجدية في مواكبة التعليم عن بعد أساساً الى «التحديات اللوجستية التي يواجهها التلامذة اليوم بسبب الضائقة المالية. فالتلامذة ملّوا من الصعوبات التي تواجههم، سواء لجهة افتقارهم إلى البنى التحتية من كهرباء وشبكة إنترنت، أو استخدام أكثر من تلميذ في البيت جهازاً واحداً بسبب عدم قدرة بعض العائلات على تخصيص جهاز لكل ولد. هنا يضطر كل منهم إلى انتظار دوره، أو يعيد مشاهدة المادة، إذا كانت مسجلة، من دون إظهار أي تفاعل ممكن، أو تجاهل إعادتها أساساً».

«تراجع الحماسة الدراسية لدى معظم التلامذة سببه شعورهم بعبثية التحصيل، وخصوصاً في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة في صفوف المتعلمين»، بحسب أستاذ التعليم الثانوي أحمد شامي، مشيراً الى انسحاب أحد تلامذته من متابعة الحصص لمصلحة إخوته «لأن الإنترنت في بيتهم ضعيف».

نصر الله رأت أن بعض الأهالي لا يبذلون جهداً إضافياً لتحفيز أبنائهم على الدراسة وتقبّل التغيير الذي طرأ على التعليم، وبالتالي كسب المزيد من الأهداف التعليمية. وأشارت إلى أن البعض ملّوا من ملاحقة الأولاد للنوم باكراً أو للدراسة، كحال إحدى الأمهات التي لم تعد تصرّ على ابنتها لتدرس أو حتى لتحضر الحصص التعليمية الصباحية، لأنها لا تشعر بأن التعليم عن بعد يستحق الاهتمام والمتابعة الجادّة كالتعليم الحضوري.

وفي حين كان التلميذ ينتظر المواد الأدائية، كالرياضة والفنون والموسيقى والمسرح في جدول الحصص، تتوجّه معظم المدارس في لبنان إلى إلغائها للاستفادة من الوقت لمصلحة المواد العلمية. ولم تلتفت المدارس إلى أهمية هذه المواد «الأساسية» في تحفيز التلميذ للدراسة، وفي تهذيب الروح وتشكيل الذوق الفني، علماً بأن التلامذة اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذه المواد لتفريغ الضغط النفسي الذي يعانونه بسبب الحجر المنزلي وتردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية والأمنية.