كتب منير الربيع في “المدن”: اثنا عشر وزيراً في حكومة حسان دياب يحملون الجنسية الأميركية، لهم علاقات متعددة في واشنطن أو بمؤسسات تابعة للإدارة الأميركية. لم يكن اختيارهم في الحكومة أمراً عبثياً أو مصادفة. يريد حزب الله أن يقول للمجتمع الدولي إنه جزء أساسي من الدولة اللبنانية، الحريصة على علاقاتها مع الغرب. وهو عندما كان يحرص على الاشتراك في حكومات “الوحدة الوطنية” مع خصومه، كان يهدف إلى تكريس شراكته هذه، بما يعني للبنان من علاقات دولية. فحزب الله لا يريد العزلة للبنان ولا لنفسه، كما لا تريد إيران لنفسها أن تنعزل.
الضوء الأصفر
اختار حزب الله بعناية أسماء الوزراء وهوياتهم ومجالات عملهم. هو لا يتوانى عن وصف الحكومة بأنها حكومة الإنقاذ. والحال أن الإنقاذ لن يأتي إلا من الخارج. لم يكن الحزب وحلفاؤه يشكلون الحكومة بمفردهم. كان ثمة تواصل مع جهات دولية معنية، أبرزها الفرنسيين، والأمم المتحدة، لتأليفها. وحتى بعد تشكيل الحكومة، لم يتم وصفها أنها حكومة حزب الله، خصوصاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي تفضل الاستمهال والانتظار. وستحكم على هذه الحكومة وفق الإصلاحات التي قد تتخذها، في موقف يتلاقى مع مواقف الدول الأوروبية.
في جولة على بعض الديبلوماسيين لسؤالهم عن رأيهم بهذه الحكومة، يجمع معظهم على أن التعاطي الدولي معها يشبه الضوء الأصفر، لم يقفل الباب بوجهها ولم يفتح بكامله. المسألة ترتبط بما ستقدّمه هذه الحكومة. والأهم أنه لم تصدر حتى الآن أي مواقف سلبية. مختلف المصادر تتحدث عن “إعطاء فرصة”، لرؤية ما يمكن أن يتم تقديمه، وإذا ما ستكون الحكومة قادرة على الإنجاز. وحزب الله يحرص على أن تأخذ هذه الحكومة قرارات تغييرية، حتى ولو كانت بسيطة. في المقابل، ثمة حرص آخر على “رجالات” أميركا في بنية النظام، على مثال حاكم مصرف لبنان أو قائد الجيش.
مطالب واشنطن
في الحكومة السابقة، والتي شهدت أكثر من مبادرة أميركية تجاه لبنان، لمعالجة الكثير من الملفات العالقة، اصطدم الموفدون الأميركيون بتشبث حزب الله بمواقفه، وعدم التنازل في هذه المرحلة. بعد آخر زيارة أجراها الرئيس سعد الحريري إلى الولايات المتحدة الأميركية، تسرّبت أخبار في لبنان عن أن الحريري وعد الأميركيين بأن يمسك بنفسه بملف ترسيم الحدود. حينها ثارت ثائرة الرئيس نبيه بري، الممسك بهذا الملف، وخرج أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ليجدد تسليم هذا الملف حصراً إلى برّي. لم يتمكن الحريري من إحراز أي تقدّم مع الأميركيين.
واشنطن التي أوقفت كل المساعدات للبنان، ومضت في سياسة فرض عقوبات، ووضعته تحت حصار غير معلن، بسبب ضغطها على الدول المانحة لمنع تطبيق مقررات مؤتمر سيدر… لا تزال عند مطالبها ذاتها. ما كانت تريده من الحريري تريد تحقيقه مع أي جهة تمسك السلطة في لبنان. لذا، قراراتها تجاه لبنان وتعاملها معه، بعد تشكيل الحكومة الجديدة، مرتبط حصراً بهذه الأهداف. وعلى الأرجح، بين هذه الخيوط شكل حزب الله حكومة حسان دياب. وهو يريد الإمساك بأوراق القوة السياسية بين يديه، وليس فقط القوة التعطيلية أو العسكرية.
أوراق سياسية وجغرافية
صحيح أن أنواعاً من الأوراق يبخس سعرها في حالة السلم. بمعنى، أن الصواريخ الدقيقة وغيرها من الأسلحة تصبح قدرتها على الفعل أضعف في حالات السلم من حالات الحرب. على هذا، لعبة التفاوض الأساسية ستكون بأوراق أخرى. يعرف حزب الله أن أوراق القوة لديه حالياً هي سياسية بامتياز، وجغرافية. سياسية بالاستناد إلى الأكثرية النيابية التي لديه، والحكومة الموالية له، التي تضم وزراء يحملون الجنسية الأميركية، أو يعملون في الجامعة الأميركية أو لديهم علاقات مع واشنطن. هو بذلك يقول للأميركيين إنه لا يريد المواجهة ولا القطيعة معهم في لبنان.
أما الأوراق الجغرافية، وعلى مشارف صفقة القرن، يمسك حزب الله بالحدود الاستراتيجية للبنان، المنطقة الجنوبية حيث التماس المباشر مع القوات الإسرائيلية، والمنطقة الشرقية والشمالية بمحاذاة سوريا. هنا تكمن ورقة القوة الأساسية لدى حزب الله، والتي تعني الأميركيين استراتيجياً. ترسيم الحدود، أمن إسرائيل، أمن النفط. وهذه ملفات كلها ترتبط بصفقة القرن.
لا يمكن إغفال وجود جملة تفاهمات دولية، تسعى إلى تطويق الخيارات الإيرانية العسكرية على الأقل، لدفعها إلى تقديم تنازلات. بدأت هذه التفاهمات من اغتيال قاسم سليماني، وتليها حالياً متغيرات على الأرض في سوريا، عبر محاولات تطويقها أكثر، بناء على تفاهمات أميركية روسية إسرائيلية.
الحزب المؤهل!
ينظر حزب الله إلى خريطة المنطقة، ويرى السعي لتسوية في اليمن تنهي الحرب، وفق تقاسم لمناطق النفوذ. الأمر نفسه ينطبق على سوريا، تحت السقف الروسي الأميركي الإسرائيلي. وفي فلسطين، الوضع العسكري غير قابل للتفجر بالمعطيات المتوفرة حالياً. واستخدام لبنان كساحة للصراع العسكري غير ممكن. بينما يبقى العراق الساحة المتحركة الوحيدة. لذلك، يفضل حزب الله العمل بالسياسة في لبنان وتحييد المنطق العسكري.
المرحلة إذاً هي للعمل السياسي وليس العسكري، خصوصاً ما بعد مقتل اللواء قاسم سليماني ورد إيران المحدود، وما بدأ بعده من مفاوضات غير مباشرة تخوضها أكثر من دولة. في هذا المسار السياسي والذي لا تنعدم فيه الضغوط والمواقف التصعيدية، يعمل حزب الله على تكريس وضعيته في لبنان، بناء على هذه الحكومة وتجربتها، والتي سيقول من خلالها للمجتمع الدولي إنه الأهل لتسلم الملفات وإدارتها.
سابقاً كان نصر الله قد قال جملتين مفصليتين: “نحن قوة لمنع الحرب”. و”نحن حزب إذا ما وعد التزم بوعده، وإذا ما دخل في اتفاق لا يتراجع عنه”.