جاء في “المركزية”:
بعد أيام من الصمت، الذي قرأه بعض المتفائلين على أنه محاولة لطي صفحة الكباش الذي فجره الفيديو الشهير الذي يتهم فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الرئيس المكلف سعد الحريري بالكذب، اشتعلت جبهة بعبدا – بيت الوسط أمس في حرب بيانات وتغريدات أكدت أن لا حكومة في المدى القريب، على وقع تمترس الجميع خلف مواقفهم المعروفة. غير أن أهم ما في هذه الجولة المتجددة من الكباش دخول الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط على الخط حيث شن هجوما عنيفا على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. على أن شريط الأحداث المتسارع هذا سجل تزامنا مع معلومات صحافية أوحت أخيرا باتجاه لدى باريس إلى التخلي عن مبادرتها الانقاذية تجاه لبنان.
وبينما لم يصدر أي نفي فرنسي رسمي لهذه المعلومات غير المؤكدة، استغربت مصادر ديبلوماسية مطلعة عبر “المركزية” هذا النوع من التسريبات الاعلامية التي لا تصب في مصلحة أي من الدولتين المعنيتين بمبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون.
وأشارت إلى أن الغضب الذي فجره الرئيس الفرنسي في وجه حزب الله وسواه من معطلي مسار التأليف، الذين عادوا أمس إلى حلبة الاشتباك السياسي الحاد، لا يزال ماثلا في الأذهان، كما أن الفشل لا يزال يتحكم بكل مفاصل مفاوضات التأليف. إلا أن هذا لا يعني أن ماكرون على استعداد للتخلي عن مبادرته السياسية تجاه لبنان، وذلك لأسباب عدة.
ولفتت المصادر إلى أن المبادرة الفرنسية ولدت في توقيت سياسي حرج جدا بالنسبة إلى الرئيس ماكرون. ذلك أنها أتت فيما كانت فرنسا غارقة في المشكلات الداخلية، في وقت كان الرئيس التركي الطموح رجب طيب أردوغان يعمل على توسيع نفوذه في منطقة شرق المتوسط، مستفيدا من الفراغ الذي تركته إدارة ترامب في دنيا العرب، ما خلا الضغط في اتجاه دفع قطار التطبيع العربي مع اسرائيل قدما. وفيما بدا لبنان ساحة يتناتش النفوذ فيها كثير من دول الاقليم كتركيا وايران، حاول الرئيس الفرنسي لعب ورقة رصيده السياسي والدولي في لبنان، بدليل أنه سارع إلى حشد الدعم الدولي لبيروت المنكوبة بكارثة مرفئها.
على صعيد آخر، تابعت المصادر، فإن إنجاح المبادرة الفرنسية يعني أن ماكرون تمكن من الوفاء بالتزامه تجاه الشعب اللبناني الذي يطالب بحكومة اختصاصيين مستقلين عن المنظومة السياسية التي يتصرف أركانها كما لو أن انفجارا لم يهز بيروت في آب الفائت، مفجرا غضبا شعبيا كبيرا. وتاليا، فإن من الصعوبة بمكان رؤية ماكرون ينفض يده من خطة كان عرابها الشخصي لإنقاذ لبنان.
على أن هذا الاصرار الفرنسي على مد المبادرة بمقومات الصمود في وجه عواصف المحاصصة وتصفية الحسابات لا يعفي المسؤولين اللبنانيين من مسؤولياتهم لجهة تلبية طموح الناس في تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، وهو المعيار الذي يشدد الرئيس المكلف على أن التشكيلة التي قدمها إلى الرئيس عون تحترمه، لأن كل المساعدات الموعودة وزيارة ماكرون الثالثة إلى بيروت مرتبطة بهذا الأمر حصرا…