مما لا شك فيه أن مصرف لبنان يحاول اقناع السلطات التنفيذية في البلد برفع نسب من الدعم عن المواد الأساسية للمواطنين اللبنانيين وخصوصاً المحروقات والأدوية والقمح تحت شعار ترشيد الانفاق.
وكأن ترشيد الانفاق لا يطبق الا على الفقير وكأن الفقير هو الذي نهب أموال الدولة وهو الذي سيدفع الثمن.
أي شرع وقانون في العالم ينص على نهب الفقير وتدفيعه الثمن علماً أن هؤلاء النهابين وزبائنيتهم معروفين من قبل اكثرية الشعب اللبناني.
هل هذه هي المعادلة أن القوي يأكل مال الضعيف، وأن النهابين لا يحاكمون ولا يعيدون المال للشعب.
وأكثر من ذلك تحت شعار ترشيد الانفاق ورفع نسبي للدعم قد يتبعها لاحقاً رفع للدعم في مراحل متتابعة، سينتهي الدعم كلياً، خصوصاً اذا لم يتم تأليف حكومة وان لم يتم الاتفاق مع الصندوق النقد الدولي. وبالتالي لا مساعدات مالية علماً أننا لسنا بحاجة للمساعدات المالية من اي جهة كانت لولا ان من نهب أموال الدولة لا يريد إرجاعها.
ولكن أمام هذا الواقع الاليم وأمام تفوق النهابين وجماعتهم على الدولة، نحن مضطرون لتشكيل حكومة بشكل سريع ومفاوضة الصندوق الدولي وشروطه وفرض الاصلاحات التي بالتأكيد سيدفع ثمن اكثريتها الطبقات الفقيرة وموظفي الدخل المحدود.
هذا الترشيد في الانفاق يطرحه حاكم مصرف لبنان منذ مدة على رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال تحت الشعار أن الوصول الى عتبة الاحتياطي الالزامي والذي يبلغ 17 مليار دولار لا يكفي لتمويل حاجات لبنان لمدة اكثر من شهرين.
وبالتالي سيضطر المصرف المركزي حسب أقوال بعض المقربين من المصرف الى وقف الدعم عن كل المواد الاساسية اذا لم يعاد النظر في آلية الدعم الحالية وعمليات التهريب لا تزال مستمرة.
وهذه هي الاحتياجات التي يدعمها مصرف لبنان بالعملات الاجنبية.
1- مشتقات نفطية بقيمة 5 مليار دولار
2- أدوية بقيمة 1.5 مليار دولار
3- قمح بقيمة 150 مليون دولار
4- السلة الغذائية بقيمة 2.5 مليار دولار
5- تدخل مصرف لبنان في سوق القطع وتقدر بحوالي 1.4 مليار دولار (على أساس تكلفة يومية تتراوح بين اربعة وخمسة ملايين دولار)
هذه المؤشرات المخيفة والمقلقة في آن معاً تجعل المصرف المركزي يصرعلى رفع الدعم النسبي عن المواد الاساسية لحقوق الشعب الفقير.
وقد تم تحديد المشتقات النفطية التي تقدر فاتورة دعمها من جانب مصرف لبنان بحوالي 4 ½ الى 5 ½ مليار دولار سنويا. من هنا، فقد يتم الاتفاق على تخفيض نسبة الدعم عن المحروقات ولاسيما البنزين، اذ لا يجوز من يملك السيارات الفخمة أن يملأ سيارته بالبنزين كالفقير الذي لا يملك الا سيارة متواضعة يعتاش منها. والجدير بالذكر أن اكثرية هؤلاء الاثرياء يملكون هذه السيارات الفخمة ويتفاخرون بأرقامها ومميزاتها بينما الشعب بالكاد يؤمن لقمة عيشه. أما في حال أصابة هذا الفقير بالمرض، فلا ضمان اجتماعي يحميه في ظل توقف الأعمال ولا ينتظره في هذه الحالة سوى الذل والقهر والموت البطيءز
ولكن هناك سؤال يتبادر لذهن المواطن اذا أصبح سعر صفيحة البنزين ما بين الاربعين والخمسين الف ليرة والمحتسب على اساس سعر برميل النفط العالمي (وهو حالياً عند ادنى مستوياته) وعلى اساس سعر الصرف الحالي للليرة مقابل الدولار بحدود 8000 ليرة للدولار الواحد. ولكن هل سيبقى سعر الصرف عند مسوياته الحالية اذا انخفضت نسبة الدعم؟ في الواقع ان تخفيض نسبة الدعم على المشتقات النفطية الى 70% على ساس سبيل المثال يعني الحاجة تقريباً الى مليار دولار سنوياً وهو ما قد يعيد الطريق الى ارتفاع في سعر الدولار في السوق السوداء بسبب الزيادة الكبيرة في الطلب على الدولار.
من جهة ثانية هناك موضوع آخر يدرس بأن يتم توزيع بطاقات تموينية على الاسر المحتاجة والتي تسمح بشراء المواد الاساسية على اساس سعر صرف الدولار الرسمي 1.515 ليرة للدولار الواحد. غير أن النقاش يدور حول عدد هذه الاسر خصوصاً ان اكثرية الشعب اللبناني اصبح يرزخ تحت خط الفقر. فمن هي الجهة الصالحة لتحديد هذه الاسر؟ فرقم وزارة الاقتصاد يصرح ان هذه الاسر تقدر بـ 360 ألف أسرة والبنك الدولي حسب الرقم المتداول عنده فهو بـ 250 الف اسرة ونحن برأينا هو أكبر من هذه الارقام بكثير وان هذا المشروع قد لا ينجح لأن تركيبة البلد لا تسمح بنجاحه.
ونحن نقدر ان نسبة الفقر في لبنان قد تجاوزت الـ 65% من ابناء الشعب اللبناني.
وهذه البطاقات التموينية بوجود ثقافة المحاصصات قد تعيق الوصول لاصحابها فعلياً.
اما بالنسبة لدعم الدواء، فتصنيف الادوية ما بين المدعومة والغير مدعومة، ومن يعلم كيف سيتم هذا التصنيف خصوصاً انه ما يحصل الآن هو تخزين للادوية من قبل اكثرية المواطنين خوفاً من ارتفاع منتظر لسعر الأدوية، قد خلق بدون أدنى شك شحاً في الادوية المستعملة بشكل دائم.
أمام هذه الواقع هناك من يضع هذا الشعب الفقير امام الامر الواقع في حال لم يتوافقوا على ترشيد الانفاق على هذه المواد الأساسية للمواطنين وستطرح امكانية لجوء الدولة اللبنانية الى رهن او بيع جزء من احتياطي الذهب وهذه الكمية من الذهب تقدر بـ 19 مليار دولار وفق مجلس الذهب العالمي.
في ظل هذا الوضع السائد في البلد من عدم وجود رؤية اقتصادية ومالية واضحة المعالم وفي ظل عدم قدرة الدولة على استعادة الاموال المنهوبة حتى الآن، لذلك من المستحيل ان يقبل أحد برهن او بيع جزء من هذا الذهب لأننا في هذه الحالة نكون قد قضينا على أنفسنا خصوصاً أننا نعاني من أقوى أزمة اقتصادية للبلاد نتيجة ان جزءاً كبيراً من هذه الطبقة الفاسدة لا هم لها سوى جمع المال والسلطة لها ولزبائنيها، والمستفيدين من حولها من ازلام وعبيد.