رسالة إلى الرئيس ايمانويل ماكرون من النائب جبران باسيل

السيّد الرئيس،
نلتقي اليوم في القصر الجمهوري في 1 أيلول 2020 بعد مئة عام على إعلان لبنان الكبير بمساعدة فرنسا. هي معنا اليوم بشخص رئيسها في ذكرى المئوية الأولى مُعربة عن حرصها على الحفاظ على لبنان الكبير.
إنّ هذا اللبنان ولد بفعل إرادة أبنائه بالعيش معاً في وطن يتّسع لكل تنوعاته الثقافية والدينية ليكون رسالة حوار بين الشرق والغرب.
على رغم من كل تناقضاتهم، وعلى رغم من نزاعات الآخرين وحروبهم على أرضه، أحسن اللبنانيون حمل هذه الرسالة. إلّا أنهم أساؤوا إدارة دولتهم وأخفقوا في تدبُّر أمور فوارقهم.
لبنان الكبير يتعرض لخطرين داخليين داهمين: أولهما الطائفية التي جعلت الإنتماء الى الطائفة أكبر من الإنتماء الى الوطن، وقسّمت الكيان الى كيانات والدولة الى دويلات والمجتمع الى مجتمعات والقطاع العام الى مراكز نفوذ.
وثانيهما: الفساد المحمي من الطائفية، والذي راح ينخر الدولة ومؤسساتها واقتصادها حتى تهالكت بفِعل تحالف منظومة السياسة والمال وحمايتها لنموذج مالي واقتصادي منع الإستثمار وعطّل الإنتاج، فأضحى المواطنون رعايا شبكة خدمات تغذيها مالية الدولة بدلاً من أن يكونوا عناصر إنتاج في اقتصاد يغذي خزينة الدولة.
خطران داخليان، لو مهما حاول العالم مساعدتنا على مواجهتهما تبقى المسؤولية مسؤوليتنا في دحرهما، ونحن عازمون مع الحكومة المنتظرة والمجلس النيابي على انتهاج وتنفيذ برنامج إصلاحي مفصّل بنوداً ومحدد زمنياً، ونلتزم مع المجتمع الدولي السير به ليلتزم هو في المقابل بإعانتنا على تخطي محنتنا.
أمّا الأخطار الخارجية فهي كثيرة، وأنتم حتماً مدركون لمعظمها، ويكفي تعدادها لتظهر من جهة مناعة الوطن الصغير في قلب منطقة متفجرة بطبيعتها، ولتظهر من جهة ثانية حاجته الى مساعدة أصدقائه في حفظ رسالته، وأنتم حتماً، السيّد الرئيس، واعون وحريصون ومبادرون.

إنّ النزاع العربي ـ الإسرائيلي هو على رأس هذه الأخطار والإرهاب التكفيري يليه أذىً، فيما اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري، على اختلاف طبيعتيهما، يتساويان بهَتك نسيجه الاجتماعي وتقويض اقتصاده.
أمّا نزاعات المنطقة على أنواعها الدينية والمذهبية والعرقية والقومية والتوسعية والنفطية فتنعكس كلها على لبنان احتكاكاتٍ داخل مجتمعه المركّب.
لبنان هنا في حاجة الى استراتيجية دفاعية وطنية يتوافق عليها أبناؤه لكي تحفظ له قوته وتحميه من اعتداءات الخارج. هو في حاجة أيضاً الى توافق داخلي على وضعية تحميه من أطماع الخارج بضمان المجموعة الدولية، تبعد عنه مشكلات الخارج وتبعده عن مشكلات الخارج. البعض يسمّيها حياداً ناشطاً أو إيجابياً، والبعض يسميه تحييداً، أما نحن فنقول انه تلاقٍ داخلي وخارجي على الحفاظ على صورة لبنان – الرسالة، لبنان – النموذج، لبنان – الكبير.
النزاع هو هو، بين من يريد لبنان الكبير ومن يريد لبنانات صغيرة، ويبقى لبنان أكبر من حدوده، فحدوده هي العالم.
السيّد الرئيس،
مئة عام مرّت تهدّمت خلالها بيروت وقامت، تزعزع لبنان وصمد، أما أهله فتوزّعوا بين من مات ومن هاجر ومن بقي.
لبنان صامد وباقٍ وأهله متجذرون فيه، إلّا أنّ الأزمات تراكمت وثقلها أصبح أكبر من أن يحمله الوطن الصغير. زيارتكم تأتي في هذا الوقت بالذات لتؤكد استعدادكم لمؤازرته ولكي يؤكد هو لكم تمسّكه بالقيم الإنسانية وبقيَم الجمهورية. إنّ تغيير نظامنا أصبح ملحّاً للإنتقال نحو الدولة المدنية الشاملة، إلّا أنّ الجمهورية تبقى ثابتة، وهي الأساس، ومهما توالت الأزمات يبقى الأهم أن ينهض لبنان بدوره الريادي في هذه المنطقة، وأن يتمكّن بالتعاون معكم مِن وَصل ضفّتي المتوسط ليكون واحة سلام وازدهار. ذلك شأن ثقافتنا وفكرنا ودورنا.
 
الجمهورية