كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
تسارعت وتيرة التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، الذي خلّف نحو 170 قتيلاً وعشرات المفقودين وآلاف الجرحى، وحوّل العاصمة اللبنانية إلى مدينة منكوبة، وفتحت النيابة العامة التمييزية مسارات متعددة للتحقيق؛ إذ استجوب، أمس، المحامي العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان خوري، 10 ضبّاط من الجيش اللبناني وأمن الدولة والجمارك العاملين في مرفأ بيروت، بالإضافة إلى عدد من الإداريين في جمارك المرفأ، وقرر تركهم رهن التحقيق، إلى حين استجواب آخرين، ومقاطعة إفاداتهم واتخاذ القرارات اللازمة في ضوء نتائج التحقيقات.
ولم يتوقّف الأمر على استجواب الأمنيين والإداريين؛ بل انتقلت النيابة العامة التمييزية إلى الشقّ السياسي في القضية، عبر التحقيق مع الوزراء الذين تعاقبوا على المسؤولية، طيلة السنوات السبع التي كانت فيها مواد «نيترات الأمونيوم» مخزّنة في «العنبر رقم 12» بمرفأ بيروت إلى حين «انفجارها أو تفجيرها».
وعلمت «الشرق الأوسط»، أن القاضي غسان خوري استدعى إلى جلسة تحقيق يعقدها في مكتبه بقصر العدل في بيروت قبل ظهر اليوم الخميس، وزير الأشغال الأسبق غازي العريضي. وأوضحت مصادر مواكبة لسير التحقيق، لـ«الشرق الأوسط» أن «الاستماع إلى إفادة العريضي الذي كان وزيراً للأشغال عند تفريغ حمولة الباخرة من مادة النيترات في المرفأ، غايتها الاطلاع على الإجراءات التي اتخذها عند وصول هذه المواد إلى المرفأ، وأين تكمن مسؤوليته حيال ما جرى».
وكشف المصدر عن أن «استدعاء العريضي للتحقيق هو أول الغيث، وسيتبعه الاستماع إلى وزراء الأشغال المتعاقبين: غازي زعيتر ويوسف فنيانوس وميشال نجّار، بالإضافة إلى وزراء مالية سابقين».
وأشارت المصادر المطلعة إلى أن استجواب الوزراء «يأتي في سياق تحديد المسؤوليات، وحصرها في الأشخاص الذين أهملوا أو تجاهلوا خطر إبقاء المواد المتفجرة في المرفأ، من إداريين وأمنيين وعسكريين وقضاة وسياسيين».
لكن المصادر نفسها أكدت أنه «في حال ثبت تقصير أو إهمال من الوزراء الذين سيخضعون للتحقيق أو بعضهم، فإن القضاء العدلي سيعلن عدم اختصاصه بملاحقتهم، وسيحيل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ملفهم مع الأدلة المتوفرة بحقهم إلى المجلس النيابي، باعتبار أن محاكمة هؤلاء تقع ضمن اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وليس القضاء العادي»، مشيراً إلى أن «الادعاء على هؤلاء وإحالتهم إلى المحكمة الخاصة، يتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان اللبناني على الشروع بهذه الملاحقة».
ورغم صدور مرسوم إحالة تفجير المرفأ إلى المجلس العدلي، فإن التحقيقات الأولية لا تزال تسير بوتيرة مكثّفة، ولفتت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مكتب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات يشهد اجتماعات قضائية وأمنية متلاحقة، ودراسة التقارير الأمنية التي ترده من مسرح الجريمة، وتقارير الخبراء الفنيين، ومتابعته التحقيقات التي يجريها فريق من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في قبرص، مع قبطان السفينة (روسوس) التي نقلت (نيترات الأمونيوم) وأفرغتها في مرفأ بيروت».
ولفتت المصادر إلى أن القاضي عويدات «رفض طلباً تقدّم به المحامي جورج خوري، وكيل الدفاع عن مدير عام الجمارك بدري ضاهر لترك الأخير حرّاً بعد مرور 5 أيام على احتجازه على ذمة التحقيق، إلا إن عويدات رفض الطلب وقرر إبقاءه موقوفاً مع 18 آخرين؛ بينهم المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي ومدير مرفأ بيروت المهندس حسن قريطم».
من جهته، عقد مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود، وبحضور النائب العام التمييزي، جلسة طويلة خصصها لدراسة اقتراح وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، تعيين القاضي سامر يونس، محققاً عدلياً في قضية تفجير المرفأ، إلا إن مجلس القضاء رفض هذا الاقتراح، باعتبار أن القاضي المذكور مقرّب من جهة سياسية، في إشارة إلى رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل، وطلب من وزيرة العدل اقتراح أسماء بديلة لاختيار أحدهم لهذه المهمة.