بري و”الخطر الداهم”: رذالةٌ ما بعدها رذالة!

نشرت صحيفة الجمهورية مقالًا للكاتب عماد مرمل يشير فيه الأخير الى أنه “من الواضح أنّ بري يستشعر بخطر داهم وكبير جرّاء النشاط المستجد لفالق التوترات الطائفية والمذهبية التي تنقلت اخيراً من منطقة الى اخرى، مهددة بنشوب فتنة بين ضحايا الازمة الاقتصادية”.
ويقول الكاتب في مقاله أنه “لمّا كانت حكومة التكنوقراط تفتقر الى الوزن التمثيلي الثقيل ولو انّ “بطانته” سياسية، فقد كان لا بد من محاولة ملء الفراغ بالكلمات المناسبة حتى لا تملأه أشباح الفتنة، وهو الأمر الذي دفع بري، على ما يبدو، إلى إطلاق حركة سياسية مكثفة في اتجاهات عدة، لاحتواء موجات التشنج وتخفيض منسوب المخاطر قدر الإمكان”.

ويتابع الكاتب عمام مرمل، “وانطلاقاً من هذه القاعدة، جمع بري كلّاً من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “الحزب الديموقراطي” طلال أرسلان حول مائدة مصالحة درزية في عين التينة، ثم التقى بعد انقطاع الرئيس سعد الحريري لتبريد صفيح الاحتقان المذهبي الذي ارتفعت حرارته على الأرض، بينما يُتوقع ان يستقبل خلال الأيام القليلة المقبلة رئيس الحكومة حسان دياب”.
ويلفت الكاتب في مقاله عبر “الجمهورية” الى أن بري “قرر ان يضع ثقله لإنجاح اللقاء الموسّع المقرر انعقاده في قصر بعبدا في 25 حزيران الحالي، وسط توزيع للأدوار بينه وبين الرئيس ميشال عون لتمهيد الأرضية أمام التئامه بأفضل الشروط الممكنة، حيث سعى رئيس المجلس الى إزالة العوائق السياسية التي تعترضه، وحَثّ الحريري وجنبلاط وسليمان فرنجية على المشاركة فيه وتجاوز أي مآخذ على العهد في هذه اللحظة المصيرية التي تتطلب إعادة ترتيب للأولويات والخصومات، وفق ما تقتضيه متطلبات النجاة”.
وضمن هذا السياق، يُنقل عن بري تأكيده انه، وباستثناء ملف الكهرباء، فإنّ هوة الخلاف تضيق شيئاً فشيئاً مع “التيار الوطني الحر”، مشدداً على أنّ هذه المرحلة لا تتحمل المناكفات بل هي تستدعي تعزيز القواسم المشتركة والبناء عليها.
ويشير الكاتب الى أن بري “دفع نحو توحيد أرقام الخسائر المالية، برعاية مجلس النواب، من خلال الدور الذي أدّته لجنة المال ولجنة تقصي الحقائق النيابيتين للتوفيق بين مقاربات الحكومة والبنك المركزي والمصارف، وتوحيد موقف الوفد اللبناني الذي يفاوض صندوق النقد الدولي”.
وَأضاف، “بعد انقشاع غبار التخريب، يعتبر بري انّ الحقائق أثبتت للقاصي والداني انّ المشاركين من البيئة الشيعية في أحداث الشغب التي استهدفت وسط بيروت هم أقل من الاقلية، داعياً الى تحمّل المسؤولية الوطنية في التعامل مع هذا الملف وعدم استسهال الانزلاق الى اتهامات غير مثبتة من شأنها زيادة الشرخ بين اللبنانيين”.
ويلفت بري الى انّ مخطط الفتنة كاد يمر من خاصرة الشياح – عين الرمانة التي حاولت أن تخترقها أصابع مشبوهة للعبث بالسلم الاهلي، لكننا نجحنا بالحكمة في تفادي المحظور، متوقفاً عند الدور المسؤول الذي أدّاه التيار الحر في عين الرمانة.
وما يزعج رئيس المجلس ايضاً “الفتنة المالية” التي يحركها الدولار بفِعل استمرار تحليقه على علو مرتفع، علماً انّ رئيس المجلس كان قد توقّع بعد الاجتماع الرئاسي في بعبدا بأن يبدأ سعره في الانخفاض المتدرّج بدءاً من مطلع هذا الأسبوع، لكن يبدو أنّ السوق السوداء لا تزال تفرض إيقاعها على السعر، من دون أن تنفع حتى الآن التدابير الرسمية المتخذة في لجمها.
وتعليقاً على التفلّت المتواصل للدولار من الضوابط، يُنقل عن رئيس المجلس قوله: إنها رذالة ما بعدها رذالة.
وأبعد من حدود التحديات اللبنانية، عُلم انّ بري لم يكتف باستخدام خراطيم عين التينة لإطفاء الحرائق الداخلية، بل هو دخل أيضاً على خط التقريب بين المنظمات الفلسطينية وتحصين المخيمات في مواجهة أي محاولة لجرّها الى مواجهة مسلحة، سواء بين فصائلها او مع جوارها اللبناني.
وفي المعلومات، انّ بري المسكون بهاجس الفتنة، تَخوّف من ان يتم استغلال مناخ التحريض المذهبي الذي ساد خلال الأيام الماضية، ولا سيما بعد احداث 6 حزيران، لاستدراج المخيمات الى صدامات جانبية، بالترافق مع الاستعداد الاسرائيلي لضَم الضفة الغربية، فبادرَ الى تحرك وقائي – استباقي لمنع اي سيناريو من هذا القبيل، وكلّف مسؤول العلاقات بالقوى الفلسطينية في حركة “أمل” محمد جباوي، يعاونه عضو المكتب السياسي بسام الكجك، بالتواصل معها لتحييد المخيمات عما يجري خارجها ولتفعيل التنسيق بين الفصائل بعد تجدّد خلافاتها وارتفاع منسوب الفتور بينها.
وارتكز مسعى بري بالدرجة الأولى على إعادة إحياء عمل هيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضم منظمة التحرير (بقيادة فتح) وتحالف القوى الفلسطينية (حركتا حماس والجهاد ومنظمة الصاعقة والجبهة الشعبية – القيادة العامة وفصائل داعمة لخيار المقاومة المسلحة) والقوى الإسلامية (عصبة الأنصار وأنصار الله والحركة الإسلامية المجاهدة)، علماً انّ هذه الهيئة ولدت عام 2018 في عين التينة بقوة دفع من بري آنذاك، لكنها أصيبت بالشلل في الأشهر الماضية على وقع التجاذبات الفلسطينية المتكررة من جهة وتداعيات كورونا من جهة ثانية.