“لبنان” كهف مظلم موصَدُ الأبواب !

فيما ازداد الطلب على الطاقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، خفّضت كهرباء لبنان الإنتاج.

النتيجة كانت مأساوية، وتمثّلت في وصول ساعات التقنين إلى ٢٠ ساعة يومياً في بعض المناطق. بحسب المؤسسة، يعود الشح الكبير في مادة الفيول إلى التأخر في صرف الاعتمادات. بذلك يكتمل المشهد: مصرف لبنان يتأخر في تحويل الاعتمادات الدولارية، والمصارف الخارجية زادت من وتيرة تدقيقها في المعاملات اللبنانية، والشركات لا تخاطر بتسليم البضاعة قبل قبض ثمنها. وكل ذلك يؤشر إلى مآس إضافية عندما تحلّ الكارثة، فإنها تحلّ دفعة واحدة.

لم تكف كل الأزمات المعيشية التي تواجه اللبنانيين، حتى أضيف إليها التقنين الحاد في الكهرباء، نتيجة التأخر في دفع اعتمادات الفيول. ثم لم يتأخر الوقت قبل أن يتبيّن أن المولّدات الخاصة غير قادرة على تعويض الفارق، بسبب أزمة مازوت مستجدّة. وكل ذلك يجري في درجة حرارة تجاوزت الـ33 درجة مئوية.

تلك عينة لما يمكن أن يكون الوضع عليه خلال الصيف، وما يليه، مهما وعد المسؤولون ومهما وضعوا الخطط. خطة الكهرباء شاهد على أن الخطط، ليست سوى جرعات من الأمل الكاذب، مهمتها محصورة بالبروباغندا وتسجيل النقاط السياسية.

منذ العام ٢٠١٥ كان يفترض أن تكون الكهرباء ٢٤ على ٢٤، على ما وعد الوزير جبران باسيل في خطة العام ٢٠١٠، لكن الواقع يزداد مأساوية يوماً بعد يوم. الخسائر التي تواجه اللبنانيين لا تعوض. في أيام الازدهار لم تُبنَ المعامل، فهل تُبنى في زمن الانهيار؟

معمل «دير عمار٢»، حتى بعد تغيير عقده، كان يفترض أن يكون جاهزاً السنة المقبلة لإنتاج ٣٦٠ ميغاواط، كمرحلة أولى، بينما الواقع يشير إلى أن الأعمال لم تبدأ بعد. محطة الغاز كان يفترض أن تكون في المياه اللبنانية منذ سنوات، لولا أن قررت الحكومة إلغاء مناقصتها، وإطلاق أخرى تسمح بمحاصصة أكثر عدلاً، قبل أن تجمد نتيجتها.

ماذا بعد؟ يخرج وزير الطاقة بعد جلسة مجلس الوزراء أمس ساعياً إلى تعويض معنوي عن «خسارة معمل سلعاتا» في الجلسة ما قبل الأخيرة. يقول «إننا لن نقوم بتلزيم معمل واحد فقط، فلا نستطيع تأمين الكهرباء ٢٤ على ٢٤ بمعمل واحد، بل سنعمل في سلعاتا والزهراني بالتوازي، ومعمل دير عمار ملزّم أساساً لشركة علاء الخواجة».

في التصريح إصرار على بيع الوهم مجدداً، عبر الإيحاء بأن الكهرباء ٢٤ على ٢٤ لا تزال ممكنة، لكن طريقها تمر بمعمل سلعاتا، الذي أهمله مجلس الوزراء في قراره الأخير. القرار أشار إلى «تطبيق خطة الكهرباء بدءاً من الزهراني»، لكن وزير الطاقة يشير علناً إلى العمل بالتوازي في سلعاتا والزهراني. ماذا يعني ذلك؟ لا شيء. هو استمرار لسياسة تسجيل النقاط بين الأطراف السياسيين، من دون مبالاة بالنتيجة النهائية. أما المستغرب، فهو إشارة الوزير إلى أن معمل دير عمار ليس في الحسبان، لأنه ملزّم أساساً.

وتمر هذه العبارة من دون أن يوضح ما أهمية هذا التلزيم إن كانت مرت سنتان عليه من دون بدء الأعمال، ومن دون توقيع العقد حتى. الأَولى بالوزير أن يوضح إن كان المعمل سيبصر النور أو لا.لِمَ السلبية؟ قد تصدق الوعود هذه المرة. لكن حالياً ربما لا أحد يهتم. أقصى الاحلام أن يعود نظام التقنين السابق، بعد أن وصل الحرمان من الكهرباء إلى عشرين ساعة في بعض المناطق. يقول غجر إن «من الأسباب الأساسية التأخير الذي يحصل في تسديد الاعتمادات خارج لبنان».

كذلك أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان، في بيان، أنه «على الرغم من فتح الاعتمادات المستندية اللازمة لباخرتي الغاز أويل والفيول أويل الراسيتين قبالة الشاطئ اللبناني، فقد تعذّر تفريغ حمولتهما بسبب التأخر في رفع الحجز المالي Financial hold من قبل المصارف الأجنبية التي يعتمدها المورد، الأمر الذي أدى الى انخفاض مخزون هاتين المادتين الى الحدود الدنيا بحيث أشرف على النفاد».التغذية تتحسن تدريجياً بدءاً من اليوم.


هذه الأزمة يفترض أن تكون شارفت على الانتهاء، إذ تؤكد مصادر كهرباء لبنان أنه أعيد تشغيل أحد التوربينات في معمل دير عمار، ما يمهّد للبدء بزيادة الإنتاج. وقد أتت هذه الخطوة بعد أن أعلنت المؤسسة أنها «تبلّغت، عبر المديرية العامة للنفط، برفع الحجز المالي عن الشحنتين المذكورتين، بما يسمح بالمباشرة في عملية تفريغ حمولتيهما، وتالياً بعودة التغذية الكهربائية تدريجياً إلى ما كانت عليه».عملياً، تقدّر كهرباء لبنان الطلب على الطاقة خلال فصل الصيف بنحو ٣٣٠٠ ميغاواط.

في الأيام السابقة، لم يصل المعدل إلى هذا المستوى، نظراً إلى استمرار إغلاق المراكز التجارية، لكن موجة الحر جعلت الطلب يرتفع بشكل غير معهود في هذه الفترة من السنة. في المقابل، فإن المؤسسة كانت قد رسمت خطط التغذية على أساس تأمين ما بين ١٥٠٠ و١٦٠٠ ميغاواط يومياً، بما يضمن «استقرار التقنين» طيلة العام. لكن نظراً إلى شح الفيول، خفضت الانتاج إلى ما بين 1200 و1300 ميغاواط.

هذه الكمية، مع معدل الطلب المتدني في ظل الإقفال العام وعدم الحاجة إلى المكيفات، كانت مقبولة، لكن بمجرد أن ارتفع الطلب على الكهرباء ظهرت حقيقة الأزمة.مسألة الفيول تلك تكررت أكثر من مرة.

والمشكلة هنا مشكلتان؛ الأولى تتعلق بعدم وجود خزانات كافية لتفريغ حمولات الفيول التي تصل تباعاً، بسبب الاستمرار في ملء الخزانين الرئيسيين بشحنة الفيول المغشوش، التي سبق أن رفضت كهرباء لبنان تسلّمها.

والثانية تتعلق بالتأخير المتكرر في فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان، ما يؤخر بالتالي تفريغ الحمولات، ويكبّد الخزينة اللبنانية بدلات توقف الناقلات البحرية.تفريغ كامل الشحنات متعذّر بسبب امتلاء الخزانات بالفيول المغشوشمرّ نحو شهرين على أزمة الفيول المغشوش. وبالرغم من موافقة سوناطراك على استرداد الشحنة، لم تنفذ هذه الخطوة بعد.

مصادر معنية تشير إلى إجراءات بيروقراطية من جهة وإجراءات تنسيقية مع سوناطراك، تؤخر الاسترداد. لكن النتيجة واحدة. اختناق في القدرة التخزينية لمؤسسة كهرباء لبنان. فالشحنة المغشوشة محفوظة في الخزانين الرئيسيين للمؤسسة (25 ألف طن سعة كل خزان)، علماً بأن الخزانات الاحتياطية (22 ألف طن في الزوق و11 ألفاً في الجية) لا تكفي لتفريغ شحنة كاملة.أما بالنسبة إلى فتح الاعتمادات الدولارية، فتلك مهمة يتولاها مصرف لبنان؛ بعد أن يصله ثمن البضاعة، من وزارة المالية (من ضمن السلفة التي حصلت عليها كهرباء لبنان في الموازنة)، يعمد إلى تحويل المبلغ إلى الدولار، ومن ثم إرساله إلى المصارف الخارجية التي تتعامل معها الشركات المستوردة للفيول.

بعيداً عن التأخير في تنفيذ مصرف لبنان للشق الواجب عليه من العملية، يبدو أن الاعتمادات اللبنانية بدأت تشهد تدقيقاً إضافياً في المصارف الخارجية، على ما يقول مصدر متابع، مشيراً إلى أن هذه المصارف، كما الشركات، لم تعد تخاطر في تسليم أي ليتر من الفيول إلى لبنان قبل تسلّم ثمنه.

المصدر:”الأخبار