لماذا قرّرت الحكومة اللبنانية إعادة المغتربين، مُقيمين وأصحاب تأشيرات موقتة، إذا لم تكن قادرة على أن تُبقيها عملية «إنسانية» بمنأى عن «السوق السوداء»؟ لماذا تحدّثت عن «إجلاء» وفتحت أبواب البعثات الدبلوماسية أمام المغتربين لتسجيل أسمائهم للعودة، وهي عاجزة عن المساواة بينهم، حتى بعدما وضعت معايير لاختيار العائدين؟
أما وقد اختارت تنفيذ هذا القرار، فلا شيء يُبرّر التقاعس عن تحمّل مسؤولية المغتربين.في كلّ مدينة يوجد فيها مغترب، حضرت مشاكل من هذا النوع. مناشدات الدبلوماسيين لإدارتهم وللدولة اللبنانية تزداد يوماً بعد آخر، منذ أن باتوا يجدون هذا «العبء» أكبر من قدرتهم الاستيعابية. ولكن في بعض العواصم، الوضع فاقع.
ساحل العاج، حيث تُقدَّر أعداد اللبنانيين فيها بـ 60 ألفاً، أحد أبرز الأمثلة على ذلك. الجالية اللبنانية في أبيدجان بخطر. والدولة اللبنانية بتصرفاتها تبدو كأنّها تُهمل اللبنانيين فيها. يكفي أن تكون قد خصّصت، بعد مراجعات جمّة، طائرة وحيدة في المرحلة الأولى من رحلات العودة، لنقل اللبنانيين من أبيدجان.
ويوم السبت، ستصل طائرة أخرى ضمن المرحلة الثانية لا تتسع لأكثر من 120 شخصاً، في مقابل 5000 شخص تسجّلوا لتشملهم رحلات العودة إلى الوطن. بحدود الـ 350 شخصاً عالقون في البلد، ويملكون تأشيرات مؤقتة، وقرابة الـ 400 يُعانون من حالات مرضية. إلا أنّ مكمن «الخطورة» ليس هنا.بحسب مصادر دبلوماسية، ومن الجالية في أبيدجان تحدّثت لـ«الأخبار»، تتراوح الإصابات في صفوف اللبنانيين بفيروس «كورونا» بين الـ 500 والـ 600 إصابة. لا توجد أرقام دقيقة لأنّ أكثريتهم يتلقون العلاج في المنزل، ومن دون أن يُصرّحوا عن إصاباتهم.
«أنا أعرف 20 مُصاباً بالوباء»، يقول أحد أبناء الجالية. إلّا أنّ الذين دخلوا المستشفيات بعدما ساءت حالتهم الصحية كثيراً، لم يتعدّوا الثمانية، وتوفي أربعة أشخاص. يُضاف إلى ذلك، تحدّ كبير في ساحل العاج وهو تشابه عوارض الملاريا والكورونا، ما يُصعّب كشف المرض والانتباه من نقل العدوى، وقلّة اختبارات الـ«PCR» التي تُجرى يومياً.
فضلاً عن ارتفاع المخاطر الأمنية، وتردّي الوضع الصحي. المعنيون في أبيدجان أوصلوا الرسالة إلى بيروت، فأتى الجواب: «لستم محور الكون»، والذريعة أنّ عدداً كبيراً من البلدان يجب تلبية طلبات إجلاء اللبنانيين منها. ولكن في ساحل العاج، القصة ليست «غِنجاً»، بل حالة إنسانية تستوجب أن توضع على سكّة الأولويات وترفع الحكومة درجة اهتمامها بها، وخاصة عبر رفع عدد الرحلات لإعادة اللبنانيين، والاهتمام بالمُصابين، وتوفير الحماية لمن يحتاج إليها.ولكن، في أبيدجان أيضاً، اللبنانيون واقعون «تحت رحمة» رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط، محمد الحوت، الساعي إلى استغلال الأزمة لتعويض خسائره.
تكشف مصادر دبلوماسية أنّ الحوت «هدّد بأنّه لن يُرسل طائرة جديدة إذا لم يتم بيع كلّ بطاقات درجة رجال الأعمال»، وخاصة أنّه بعدما عادت الطائرة الأولى من أبيدجان «وبسبب وجود 5 مقاعد فارغة على درجة رجال الأعمال، بدأ الحوت يدّعي بأنّ طائرة أبيدجان أتت فارغة ليُبرّر إلغاء رحلات أخرى». طلبات ــــ أوامر ــــ الحوت لم تقف عند هذا الحدّ، «طلب هو وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إضافة ما بين 10 و15 مقعداً، تُخصّص للمحسوبين عليهم».
لكن تُضيف المصادر أنّهما ليسا وحديهما من بادرا إلى ذلك، إذ «وردت طلبات من وزيرَي الأشغال والصحة والنائب جبران باسيل. بعض الأسماء التي طلبها هؤلاء تستوفي المعايير، وكان اسمها وارد أصلاً، ولكن شدّدوا على أن تشملها الرحلة». في هذه المعمعة، تقف البعثة الدبلوماسية في ساحل العاج بالواجهة. صحيحٌ أنّ ما تقوم به يُعدّ واحداً من مهماتها التي انتُدبت لأجلها، «ولكن تصل تهديدات عديدة، وتتلقى الشتائم، وتُعاني من ضغوط الأشخاص الفاعلين في الجالية الذين لا يتوقفون عن الاتصال لطلب إدراج أسماء على اللائحة.
الضغط الاجتماعي كبير، وهذه العملية وضعت الجاليات بوجه البعثات، خالقةً حالة نفور بينهما». الحلّ في أبيدجان، كما ورد إلى وزارة الخارجية في بيروت، «إما بتخصيص 5 طائرات لنقل اللبنانيين، أو عدم إرسال أيّ طائرة. أخلاقياً، لا يجوز أن يتم التمييز بين لبناني وآخر في الترحيل».
المصدر:”الأخبار”