لم يدرج حسان دياب بند إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على جدول أعمال جلسة يوم أمس بخلاف ما جرى تداوله لكن من غير المؤكد فيما لو أنه قد أدرجَ الخطوة في رأسه أم لا.
نحسب أن التوجه لم يكن موجودًا في الأصل. وضعية البلد أمس الاول يدرك الجميع أنها لا تحتمل انغماسه من هذا النوع لما قد يترتب عنها لاحقًا لو أن خطوة مماثلة مطلوبة بشدة لكنها من دون أدنى شك كانت مؤاتية لاستحضار مجموعة استنتاجات مشابهة على فرض أن الدولار قد تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له بالفعل، لذا فما حملته التسريبة أتى كناية عن قراءة نتجت عن عاصفة هبت على وجه السرعة محملة بجزيئات متنافرة.
حزب الله الذي أدرجَ على قائمة المتهمين بتسطير بلاغ البحث والتحري بحق الحاكم وملاحقته على بوابة المصرف المركزي تبرأ من كل الذي قيل ويُقال مسقطًا فرضية مبادرته إلى طرح الثقة بسلامة. رئيس مجلس النواب نبيه بري وحين جرى التواصل معه بناء على ما يجري تداوله، نفى علمه بأي توجه لطرحه على طاولة الحكومة وأبلغَ من يعنيهم الأمر انه يُعارض أي خطوة مشابهة ربطًا بما قد تحمله من نتائج.
السفارة الأميركية وعند “بت القصة” عبر وسائل الإعلام أعطت لنفسها حق التدخل في شأن سيادي لبناني داخلي كما درجت العادة. في البداية حصل تواصلٌ مع مرجع رسمي أبلغَ أن واشنطن تُعارض أي خطوة مماثلة لما قد تحمله من “انتكاسة” على صعيد التعاون المالي مع بيروت. فَهِمَ المرجع بوجود “فيتو”، لذا تولى إبلاغ أصدقائه بما سمعه. لاحقًا، دجّجت عوكر نفسها بما تيسر من أسلحة لتقدم على إنزال من خلف خطوط الاشتباك تحت عنوان “رياض سلامة خط أحمر“.
لدى عوكر أسلحة إبتزاز متنوعة. في المقام الأول، أعادت التذكير بمدرجات قانون العقوبات الأميركي. في المقام الثاني إستحضرت قضية الدولار من جديد، وكان تلميح بأن إقالة الحاكم قد تؤدي إلى مزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة. تلميحٌ ملفوفٌ بلبوسٍ تهديديٍّ واضح. في الثالث فعّلت جولاتها من جديد على وجه السرعة. حطّت في اللقلوق بضيافة النائب جبران باسيل وعلى المائدة طبق رياض سلامة ايضًا.
يُقال أن السفارة الاميركية أكثر من استفاد من التسريب. هذا ينقلنا إلى فرضية ربما أنها تقف خلف مسؤولية تضخيم الاحداث التي واكبت الامتعاض الحكومي من سلامة واستثماره كمنتج يُحاكي الرغبة في الاقالة تبعًا للجو الذي نشأ عن تصريح وزير الخارجية مايك بومبيو الذي استدعيَ من السفارة التي تكفلت بأمر التسريب. ما يُعزّز فرضية الاستثمار نفض يد الغالبية من مر التسريب.
على المقلب الآخر، كانت بكركي تتابع ما يجري. سريعًا، اُمِّنَ تواصل مع الرئيس حسان دياب وجرى إبلاغه رسالة تحذير من إقدامه على أي خطوة مماثلة وقد ترافق التحذير مع بيان مكتوب منحَ إلى جهة إعلامية مسيحية لتتولى تسريبه على قاعدة “من غير المسموح المسّ بسلامة” وإختيار الجهة الاعلامية المسيحية ينم عن رسالة شديدة الوضوح وذات طابع مسيحي أرادت بكركي إيصالها.
طبعًا، دياب نفى علمه بأي توجه مماثل أو أنه في صدد طرح الموضوع لكن من دون أن ينفي أنه “منزعج” من تصرفات سلامة الأخيرة وتجاوز رئاسة مجلس الوزراء في المسائل المالية وعدم تدخل المصرف المركزي لوضع حد لما يجري في سوق القطع. تفهمت بكركي ذلك على أمل التدخل.
في الترجمات العملانية لـ”حرب التسريبات” جاءت النتيجة مضاعفة منسوب التدابير الأمنية المتصلة بحماية سلامة ورفع عدد العناصر المولجين حفظ أمنه سواء في محيط مقر الحاكمية أو منزله، وثانيًا، فهم أن ثمة جهة ارادت “جس النبض” حول موضوع الاقالة رغم علمها أن مبدأ الاقالة في أصله “معدومٌ دستوريًا”، وهذه الجهة أخضعت إلى مزيدٍ من الدرس على نية إكتشافها وعلى القائمة أهداف كثيرة.
غياب النية بالاقالة لا يمنع التفكير بها. في الحقيقة، فلتات لسان دياب تنذر بشيءٍ ما ولا تستبعد ذلك إنما توحي أن رئيس الحكومة قد ضاق ذرعًا بالحاكم وتصرفاته والآن بات خطابه يقوم على صيغة الضرب بحزمٍ ليرد سائليه جوابًا إلى الآية الكريمة “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.
ثمة من يجد في تسريب خبر الاقالة ليس إلا مقدمة لشيء ما يُحضر لاحقًا. ربما لا يكون على وزن إخراج رياض سلامة من الصورة كليًا، على الأرجح الخطة القائمة اليوم هي في تهذيبه ورفع سقف الكلام معه بعد كل الذي جرى ويجري.
وفرضية الاقالة قد تجد مبرراتها. دياب لديه مصلحة في تحسين صورة الإدارة المالية. هو يدور حول أزماتٍ معقدة في الحكم، في الوقت نفسه يشاهد مدى تأثر الشارع بأي إهتزاز مالي قد يحصل لذا قد يعثر على مبرر للاستفادة الشعبية من وراء فتح النقاش المالي ولما لا إيجاد مبرر لإحداث تغيير منشود من خلال تجيير ضغط الشارع لمصلحته. هذا بالضبط ما نقشه مع رئيس الجمهورية الذي يرفض إلى الآن فتح النقاش بمصير سلامة والتوجه لديه هو في إصلاح النهج المالي.
لدى الرئيس دياب الآن الظرف المناسب لإدخال عنصر تغييري على مسار الملف المالي قد ينقل هذه الحالة إلى مكان آخر. الغاية في الوقت الراهن ليس محصورة فقط بإستبدال رجل سيء تصحيحِ مسار “أعوج” وإنتاج بديل مختلف.
العودة إلى محاسبة الشخص تأتي لاحقًا، ما نحتاجه الآن نهج جديد مختلف يعيد إنتظام الواقع المالي ويُبعد البصمات السيئة والتلاعب عنه. لذا، ما على دياب سوى تقديم خطة واضحة والتجرؤ أكثر بإتجاه فتح “المغاور المالية – السياسية” لو أن أوكار الدبابير “ستفلت عليه”، من خلال إنتاج خططٍ باتت مطلوبة منه وحكماً سيكون الشارع خلفه. ما ينقص دياب هو المبادرة السريعة بصرف النظر عن العراقيل، يحتاج إلى أن يكون إنتحاريًا حقيقيًا لا ضابط مدفعية، لأنه يدرك أن الموقع والظرف الذي هو به الآن يجعله كذلك.
المصدر:”ليبانون ديبايت”