تتوسّع أهداف العدوان الذي ينفّذه الطيران الحربي الإسرائيلي وتتسارع وتيرته في محافظة بعلبك – الهرمل التي تشهد تحوّلات جذرية في المساحة الجغرافية المستهدفة ونوعية القذائف الشديدة الانفجار التي تتردد أصداؤها غالباً في مدينة بعلبك، رغم أن بعض هذه الغارات يطاول أماكن تبعد أكثر من 20 كيلومتراً عن مدينة الشمس.
بعد مرور أكثر من تسعة وعشرين يوماً على بدء الحرب، يواصل الطيران استهداف المنشآت المدنية التي تهدّمت كلياً أو جزئياً جرّاء استهداف المنطقة بأكثر من 900 غارة، إذافة الى إيقاع عدد كبير من الضحايا خصوصاً بين المدنيين، وارتكاب مجازر مروعة على غرار ما حصل في يونين ونحلة وإيعات وبعلبك – محلة البساتين.
بات اتساع نطاق العمليات الجربية في المحافظة واقعاً يومياً، إذ صارت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وصولاً إلى الحدود الشمالية في الهرمل، عرضة لأحزمة نارية عنيفة ومتعددة في آن واحد، ومتكرّرة أحيان كثيرة، مما يعكس شدّة الهجمات التي تستهدف سائر البلدات التي تضم وجوداً حزبياً من دون تمييز، من جبالها إلى سهولها الشاسعة.
إنذارات الإخلاء التي يطلقها العدو تنزل كالصاعقة على رؤوس سكانها والنازحين اليها، إذ باتت هدفًا لصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية، مثل قرية بيت شاما التي كانت تُعد ملاذًا آمناً، غير أن غارة جوية ضربتها قبل ثلاثة ايام كشفت زيف هذا الأمان، وأن لا مكان للحماية في ظل هذا العدوان الكبير والواقع المرير.
وتلقت بلدة السفري إنذاراً بشأن مبنى يجاور الطريق الدولية، إستُهدف بعد نصف ساعة فقط، مما أدى إلى سقوط ست إصابات بين أشخاص صودف مرورهم على هذه الطريق، لتبرز هذه الاعتداءات الصعوبات الجمّة التي يواجهها الأهالي أثناء تنقلاتهم، إضافة الى المعوقات التي تعترض عمل الهيئات الإغاثية والطبية، فضلاً عن الصحافيين والاعلاميين أثناء تغطيتهم للأحداث، بسبب جغرافية المحافظة وامتداداتها الواسعة، وهو ما يؤكده لـ”النهار” الزميلان حسين درويش وشوقي سعيد.
وتتمثّل معوّقات الطريق ومخاطرها بشكل صارخ باستمرار الغارات ليل نهار، وتحليق المسيّرات في سماء المنطقة على مدار الساعة، مما يضاعف خطر التنقل ويثير حالة من الترقب والقلق لدى البعلبكيين، كأنهم يحاولون الهروب من قبضة الموت، بينما يستميت المسعفون في جهودهم لاستجابة حالات الطوارئ وتحاصر المخاطر التغطية الصحافية.
المعابر غير الشرعية والحصار
في هذه الأثناء، يواصل الإسرائيليون فرض حصار بري محكم على لبنان، إذ تتركّز الغارات المتلاحقة يومياً وخصوصاً في الليل، على المعابر غير الشرعية في البقاع الشمالي الشرقي الحدودي. تستهدف هذه الغارات المعابر نفسها التي ضُربت سابقاً، للحؤول دون إعادة فتحها. وقد اتسعت دائرة الهجمات صباح أمس مع شمولها بلدة المشرفة من جهة القاع الحدودية، لتكون هذه الغارة الأولى منذ بداية الحرب، مما يبرز أن هذه الضربات تستهدف نقاطاً حيوية تمثّل شريان الحياة لهذه المعابر. وكان أفراد من آل نصرالدين عمدوا إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى المعابر، تفادياً لسقوط ضحايا وحرصًا على أمن المنطقة وسلامتها.
كذلك استهدفت الغارات القرى والتجمعات الزراعية، وقضت على كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية التي باتت في غياهب التلف واليباس، نتيجة توقف الري والرعاية، ونزوح غالبية العمال الزراعيين. في الوقت نفسه، يواجه مربو المواشي خسائر جسيمة، إذ تلاشت آمالهم في بيع الحليب، بعد أن أُقفلت معامل الأجبان والألبان المحلية، مما يجعل من الصعب إيصال منتجاتهم إلى خارج المنطقة.
ولا بد من الاشارة الى تعرض أكثر من 7000 منشأة مدنية لأضرار جسيمة، وتضرّر مستشفيات عدة منها مستشفى تمنين العام ومستشفى المرتضى في بعلبك الذي خرج من الخدمة، وفق تأكيد مديره العام علي علام لـ “النهار”، ولم تسلم المنازل ولا المؤسسات الزراعية والصناعية والتجارية من هذا التدمير.
ولم تسلم المعالم الأثرية والتاريخية من التهديدات غير المباشرة، إذ إن الأسلحة الثقيلة والمتطوّرة تثير اهتزازات ارتدادية تؤثّر تأثيراً ملموساً على المواقع الأثرية. من هذه المواقع نبع اللجوج في نحلة، وقبة دورس عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك، وقلعة قصرنبا الرومانية التي وقعت غارة على مسافة حوالى خمسين متراً منها.
ورغم ويلات الحرب، تظل المؤسسات الغذائية والأفران والصيدليات ومحطات الوقود والمحلات التجارية صامدة، مشرعة أبوابها جزئياً، متحملة المخاطر. وتختلف نسبة الإغلاق والفتح بحسب الظروف اليومية للاعتداءات.
في البقاع الشمالي، تركّزت الاعتداءات الجوية على: القصر، حوش السيد علي، المشرفة، مدينة الهرمل وجرودها ، وادي فعرا، حلبتا، زبود، العين، النبي عثمان، جرود حربتا، اللبوة، صبوبا، البزالية، رسم الحدث وشعت.
أما في قضاء بعلبك، فقد طاولت الغارات مدينة الشمس و25 بلدة أخرى، مثل دورس، نحلة، الجمالية، يونين وسهولها، وغرباً اليمونة، بوداي، والحفير، إضافة إلى فلاوي، عدوس، بدنايل، التليلة، طاريا، شمسطار، تمنين التحتا والفوقا، وبيت شاما، فيما امتدت شرقاً لتشمل النبي شيت، بريتال، الخضر، جنتا، السفري، الحلانية، وسرعين، وتشير الإحصاءات إلى سقوط 385 ضحية و900 جريح.
البلديات: عجز وقلق
من جهة أخرى، يعاني إتحاد بلديات بعلبك والبلديات الأعضاء، كما حال جميع بلديات المحافظة من وضع بالغ الصعوبة، وفقاً لرئيس الاتحاد شفيق شحادة الذي يلفت في حديث الى “النهار” الى “ضعف التجهيزات اللوجيستية الضرورية التي تحتاجها البلديات لتقديم الإغاثة ورفع الأنقاض، في ظل تحديات جسيمة تجعلها غير قادرة على تقديم الدعم الكافي الى الأهالي في هذه الظروف الاستثنائية والطارئة، بفعل نقص التمويل، مستندة إلى موارد محدودة للغاية إذ لم تُسدّد مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقل لعامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ حتى الآن، مما يزيد من وطأة الأزمة ويترك المنطقة في مواجهة مصير غامض”.
ويسأل بقلق: “هل توجد حالة طوارئ تستدعي تمكين البلديات من القيام بواجباتها حيال مواطنيها بشكل أكثر فعالية من هذه الظروف العصيبة التي نعيشها؟ ألا يكفي أن عمالنا وموظفينا لم يتلقوا رواتبهم منذ عشرة أشهر؟ أما حان الوقت لتحويل مستحقات البلديات الى الصندوق البلدي المستقل عن عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣، وكذلك عائدات الهاتف الخليوي عام ٢٠٢٣؟”.
ويصف الوضع العام بأنه “كارثي، فالمشهد العام دمار وخراب في كل مكان، والعجز لدى سائر البلديات عن رفع الأنقاض لعدم توافر الآليات والتجهيزات اللازمة للقيام بهذه المهمة”.
ويطالب بـ”تسليط الضوء على الأهالي الصامدين الذين يقيمون في بلديات الإتحاد، والذين يُقدَّر عددهم بنحو ١٧ ألف عائلة، يعانون شحٍّاً في الغذاء ومواد الإغاثة، وغالبية هؤلاء من العمال اليوميين الذين يكسبون رزقهم بجهدهم وعرق جبينهم”.
ضآلة المساعدات الغذائية
في المقابل، تضطلع جمعيات أهلية بتوفير وجبات يومية للنازحين في مراكز الإيواء، على غرار “الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب”، و”الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء”، و”جمعية safe side”، إضافة إلى مجموعة من المبادرات الإنسانية التي أطلقتها جمعيات ناشئة أخرى.
ووفقًا لما نقلته “النهار” عن مصدر معني “إن ما جرى تقديمه من خلال القافلة الغذائية الأخيرة، لا يكفي سوى 3 في المئة من النازحين في مراكز الإيواء، وعلى سبيل المثال تضم مراكز قرى دير الأحمر وحدها أكثر من 14 ألف نازح، بينما تسلم المعنيون فيها نحو 1200 حصة فقط”.