كلمة الحاج محمد عفيف مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله،
في الإفطار السنوي لموقع صدى فور برس الذي أقيم برعايته في مطعم الساحة – طريق المطار، وذلك في ٢٩ أذار ٢٠٢٣
بدايةً، كنتُ قد أعددتُ نصاً مقتضباً لافي السياسة، بل في فكر السياسة، أنظر فيها إلى الأزمة التي يمرّ بها بلدنا، وأسبابها العميقة، ومآلات الحلول، ولا أزعم أنها من بنات أفكاري، بل هي من المرسلات التي سبقني إليها كثيرون، شذّبت بعضها وأضفتُ إليها، يحدوني الأمل، ومتطلعاً إلى مستقبل أفضل، غير أن أزمة توقيت الساعة، وفيها ما فيها، دفعني عن العزوف في المضي فيها، وأمسكتُ عن الكلام غيرِ المباح، مغبّةَ سوءِ الظن، ومشقةَ الإيضاح، وعدلتُ إلى نقاشٍ في شؤون المهنة وشجونها الكثيرة، مما يحتمله هذا اللقاء الإعلامي الواسع.
بعيداً عن الإسفاف والشحن الطائفي ، في قضية كان يمكن أن نتجاوزها بالحوار الصريح والنقاش الهادئ والعميق، الذي هو الحل الوحيد لكل القضايا بين اللبنانيين بما فيها كبرى القضايا العالقة حالياً، وهي رئاسة الجمهورية، ونؤكّد أن توقيتنا الحقيقي هو المقاومة ووحدة اللبنانيين والدفاع عن لبنان الواحد الموحد.
أتقدّم منكم بخالص التهنئة بحلولِ شهر رمضان المبارك جعله الله معراجاً للكمال الإنساني، وهذا هو غايةُ الصوم الذي اتسمَتْ به أديان التوحيد، وأبارك لإخواني المسيحيين عامةً والمشاركين معنا هذا الإفطار خاصة بالصوم الكبير على أمل القيامة والفصح المجيد.
هل من داعٍ للقول أن المسيحية ولدت هنا في الشرق في بلادنا، وأن الآلام هنا، أن القيامة هنا؟ ذلك لا على سبيلِ التفاخر بالمكان المقدّس في بيت لحم وهو مستحق، فالأديان جميعها عالمية الرسالة عالمية الإيمان لا تحدّها جغرافية، ولا يوقفها زمان، إنما لتؤكّد اننا جميعاً في هذه البقعة من الشرق ملتزمون سوياً بالأرض المقدسة التي اسمها الوحيد فلسطين من الان الى ابد الآبدين والتي باركنا حولها فكان بلدنا واحد الإيمان، ثنائي الدين، متعدّد العبادات والآيات الطقوس، ومنها هذا الطقس الرمضاني الجميل في الشكل والمضمون، لما فيه من إعلاء للقيم، وتقديرٍ مزدوجٍ للفرد والجماعة، وسمو الروح في الذات والمعنى، ولهذا فإنها مناسبة أن أتقدّم من المجاهدين أينما حلوا بالشكر، إذ لولاهم، لما كان أمان، وإلى كل الشهداء الأحياء في دروب القدس وأخواتها بين البحر النهر إذ لولاهم لما بقي أمل.
ثم أكرر الشكر للأستاذ علي أحمد وفريقه المتألق، على هذه الدعوة الكريمة، والجمع الفاضل.
وأعود لأتوقف عند مبدأ يبدو أننا تجاهلناه في إطار عملنا وهو أهمية العلاقات العامة في العملية الإعلامية السياسية، وذلك أن السياسة والأعلام صنوان لا ينفصلان، يؤثران ببعض ويتأثران ببعض، وأن العمل على تحسين صورة المنتج الإعلامي، (موضوعاً، أو مؤسسة أو فرداً) يجب أن يبقى هدفاً مستمراً، وإذا كنا نجتمع اليوم بدعوةٍ كريمةٍ من موقعٍ ومنصة، “تابعته ووقفت إلى جانبه حيث استطعت”، فإن هذا اللقاء هو أحد مصاديق النجاح في العلاقات العامة الفعالة.
لذلك، أرجو أن تسمحوا لي بالإشارة إلى عددٍ من النقاط:
1_ إن العدد الكبير من المواقع الإلكترونية لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي طبيعي لكنه غير صحي وسوف تتكفل الأيام وحدها (حتى لو أقول الفيزياء) بترشيد الوضع تدريجياً على غرار ما يحصل في الأسواق ولذا أنصحُ بعدم الارتجال ودرس الخطوات و التأني في اتخاذ القرار قبل إنشاء أي موقع جديد، بالطبع فإن كلامي لا يشمل بتاتاً الناشطين الأفراد على وسائل التواصل الإجتماعي الذي يستحقون التنويه لأنهم جنود حقيقيون على الخطوط الأمامية في جهاد التبيين.
2- كنت قد دعوتُ العام الماضي إلى لقاءٍ تشاوري لتبادل الرأي حول السبل الآيلة إلى تحسين الوضع مالياً ومهنياً، ومنها الاندماج بين عددٍ من المواقع ذات الأهداف الواحدة، وتخفيف الأعباء، لكن دعوتي لم تلقَ آذاناً صاغية، لماذا؟ لأننا نفضّل العمل الفردي على العمل الجماعي، الملكيات الخاصة على المؤسسات، وهذه حرية أقدّرها وخيار لا أعارضه وحق لا نقاش فيه، ولكن الحسابات البسيطة تعلّمنا أن الارتجال خطأ، والواقع غير الأحلام، اللهم إلا من تمكّن من تحقيق ثنائية الإبداع التمويل.
3 _ التكنولوجيا ليست منتجاً مستقلاً عن الإنسان، وإذا كنا تشهد تطوراً مذهلاً وآفاقاً مفتوحة فإن الفكرة القائمة على الاستبدال الحتمي ليست حتمية، بل أن ذلك يحصل وفق الشروط الطبيعية عند الإنسان وعند الطبيعة، مثلها مثل السياسة وعامة شؤون الحياة.
سأقرب الفكرة أكثر في المجال الإعلامي، يعتقد كثيرون أن جهاز الهاتف حل أو سيحل قريباً مكان التلفزيون، وان التلفزيون هو الماضي وان نسخةً معدلةً مطورةً من الهاتف هي المستقبل، وهذا الوهمُ ساد مع إنشاء التلفزيون والإذاعة على حساب الصحيفة والكتاب والكتابة، لا شك أنها فكرة خاطئة لاعتبارات عديدة لا مجال لمناقشتها حاليا، ونحن على مائدة إفطار.
أولاً، لان الحياة تتسعُ لكافة أشكال التعبير وثانياً لأننا إذا أردنا تغطية واسعة لحدثٍ ما متعدد الأبعاد أو حضور مباريات كرة القدم نلجأ إلى التلفزيون، والأرقام المالية لهذه الصناعة، أكبر مؤشرٍ على ذلك، هل نريد دليلاً إضافياً أن صناعة أجهزة التلفريون تزدادُ قوةً في الأسواق، وهل نفهم في الحسابات المالية أكثر من آباء المهنة؟
4- ثمةَ ظاهرةٌ مقلقةٌ في وسائلِ الإعلام ومنها ما يحصل على ساحة الفضاء الإلكتروني بكل أدواته هو العودة من العالمية إلى المحلية الشديدة الضيق.
لقد كان طموح أي ناشر أن يوزّع صحيفته في مدينته ثم في الأطراف قبل أن يبحثَ عن سبيلٍ لتوزيعها في دول الجوار، فإن أمكنه أن ينتقل إلى بعض مدن العالم لفعل (صحيفة الشرق الأوسط، الحياة) مثالا.
عندما نشأت التلفزيونات (TL مثالا) كان مبتغاها أن تصل إلى مشاهديها المحليين قبل أن يولد البث الفضائي، (MBC) مثالا، مع ولادة البث الفضائي أصبح الهدف المرتجى هو المنطقة والإقليم عندما ولدت (CNN) ركزت في دعايتها الأولى أنها قادرة على الوصول إلى أكثر من ١٥٠ بلدا حول العالم. كان هذا تعبيرا في ساحة الإعلام عن ظاهرة العولمة (الهيمنة الثقافية الأمريكية على العالم/ وتأثيرها السياسي في ظاهرة التجمعات السياسية الكبرى (أوروبا الموحدة)
الآن نشهد ظاهرة معاكسة وهي العودة إلى المحلية، مثالا (MBC مصر – MBC العراق وقريبا MBC لبنان).
وتوأم هذه العودة الإعلامية هو في السياسة: Back to America،
الخروج من اتفاقية كيوتو للمناخ
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي Brexit،
وأبرز دليلٍ على الإبتعاد عن العالمية والعودة إلى المحلية، هي شعارات: أمريكا أولا. لبنان أولا. مصر أولا. العراق أولاً ايران اولاً التي شهدناها في السنوات الأخيرة.
وبالتالي اننا نشهد انشاء مواقعٍ الكترونية محلية واخرى محلية على النطاق الضيق مثل
موقع بنت جبيل، موقع أبناء الصعيد، موقع أهالي كربلاء… وهكذا…
وذلك يعني الخروج من الثقافة الجماعية وبيئة الأمة الواحدة وقضاياها وتطلعاتها، إلى شؤون المحلة والقرية، الانشغال بأخبار صغيرة، كالزواج والتعازي، وهذا اتجاه أن استمر سيلعب دورا مؤثرا على الصعيد الفكري، وبناء الذات الإنسانية وتعزيز الظاهرة الفردية على حساب رؤية شاملة تملكها الأديان والأفكار الكبرى في التاريخ “الماركسية، شعارات الثورة الفرنسية،” ترى العالم كله وطنا وتعتقد أن قضايا الحق والعدالة والتحرر، ومواجهة الظلم ومقارعة العدوان، هي قضايا تهم الإنسانية جمعاء.