البلديات:بين التّعثُّر والعجز!

تترنّح البلديات في لبنان من جنوبه إلى شماله، تحت وطأة الأزمة المعيشية والإقتصادية والإنهيار المالي، قلّة منها ما زالت تقف على قدميها وتقدّم خدماتها الضرورية بحدّها الأدنى جرّاء تعثّرها مادياً، وغالبيتها باتت عاجزة عن القيام بواجباتها، وأقلّها رفع النفايات من الأحياء والشوارع، بعيداً عن أي برامج للتنمية والنهوض والبنى التحتية. وبعد تأكيد وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي إجراء الانتخابات بانتظار دعوة الهيئات الناخبة قبل شهرين من موعدها المقرّر في أيار المقبل، يسود الاعتقاد لدى رؤساء بلديات منطقة صيدا بأنّ الانتخابات لن تجري لأسباب سياسية ومالية كثيرة، وفي حال جرت فإنّها لن تُغيّر كثيراً طالما بقي الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال من جهة، وطالما لم تدفع المستحقّات المالية من الصندوق البلدي المستقلّ من جهة أخرى، فالأموال عصب تقديم الخدمات، يؤكّد هؤلاء.

بلدية صيدا واحدة من البلديات الكبرى بين المدن اللبنانية، تتألّف من 21 عضواً، بينهم الرئيس محمد السعودي ونائبه ابراهيم البساط. يتولّى السعودي الرئاسة منذ 12 عاماً، منذ ولايتين (مدّة كلّ واحدة 6 سنوات)، وهو يدخل العام 13 بعد التمديد للمجالس البلدية بسبب إجراء الإنتخابات النيابية في أيار العام الماضي 2022، ويضمّ المجلس البلدي فريقاً متجانساً بعدما فاز بتحالف انتخابي بين النائب عبد الرحمن البزري، وتيار «المستقبل» و»الجماعة الاسلامية»، تنافس مع «التنظيم الشعبي الناصري» وهو غير الممثّل فيه اليوم. نجحت البلدية في الولاية الأولى بإزالة مكبّ النفايات الذي كان شكّل أزمة بيئية مستعصية وحوّلته حديقة عامة، ودفعت باتجاه دعم تشغيل معمل معالجة النفايات الصلبة في سينيق، بعد سنوات من هذا الإنجاز، عادت النفايات لتشكّل أمّ المشاكل في المدينة اليوم بسبب الأزمة المالية، لم تقبض البلدية مستحقّاتها المالية من الصندوق البلدي المستقلّ منذ سنتين (2021 – 2022)، ما أفقدها القدرة على مواصلة تقديم خدماتها كالسابق بسبب دولرة كلّ شيء.

والأمر لم يقتصر على ذلك، بل وصل إلى الموظّفين والعاملين والشرطة البلدية (50 عنصراً) وفوج الإطفاء الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية بعدما فقدت رواتبهم قيمتها الشرائية، وهم زهاء 300 شخص يتلقّون نحو 500 مليون ليرة كمخصّصات، ومع تفاقم الإنهيار أصبحت نحو مليار ونصف شهرياً، بينما مخصّصات العمال كانت نحو 100 مليون وباتت نحو 200 مليون ليرة.

ولم يثقل كاهل البلدية زيادة المصاريف والمخصّصات لتتناسب مع غلاء المعيشة، بل تعدّته إلى أسباب أخرى، أوّلها: ارتفاع بدل النقل اليومي من 8 آلاف ليرة الى نحو 90 ألف ليرة، ثانيها: خسارة قيمة مدّخراتها المالية، كان لديها 30 مليار ليرة لبنانية أي نحو 20 مليون دولار، فجأة أصبحت مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء نحو 500 مليون دولار فقط والخسارة مستمرّة، ثالثها: أنّها لم تقبض مستحقّاتها المالية من الصندوق البلدي المستقلّ عن عامي 2021 و2022 (8 مليارات ليرة سنوياً) ورابعها: إنّ مدخولها من الرسوم والضرائب بقي على حاله من دون زيادة تُذكر، مع فقدان قيمتها بالليرة اللبنانية يومياً مقابل استنكاف كثير من المواطنين عن دفعها مع ترتيب أولوياتهم في الحياة.

ويؤكّد رئيس بلدية صيدا محمد السعودي لـ»نداء الوطن» أنّ «الوضع البلدي مأسوي، وبدلاً من أن تنهض البلديات وتواصل تنفيذ مشاريع التنمية والبنى التحتية وتحسين جودة الخدمات، باتت تئنّ تحت الضائقة المالية الخانقة وبالكاد تستطيع تقديم الخدمات المهمّة»، مشيراً إلى أنّ «البلدية رغم خسارة قيمة مدّخراتها، إلا أنّها بقيت قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين، ولدينا ما يكفي لـ6 أشهر فقط، لقد بدأنا بطرق أبواب الجمعيات ونتعاون مع المجتمع المدني لسدّ الاحتياجات».

وأوضح «أنّ البلديات تابعة لوزارة الداخلية والبلديات وعقدنا سلسلة اجتماعات مع الوزير مولوي الذي وعد بزيادة الأموال ولكنّنا لم نرَ شيئاً، لأنّ ميزانية الدولة بالأصل بحاجة إلى دعم، وبعد انتهاء مدّة الأشهر الستة سنلجأ إلى التمويل الذاتي، وكأنّنا لسنا تابعين للدولة أو إدارة مدنية ونحن ندرس هذا الخيار جدّياً، في إشارة الى اللامركزية الإدارية والمالية معاً، ولدينا اقتراحات لجمع الأموال من خلال تبرّع المستشفيات، والمصارف، والمصانع والمحال التجارية الكبرى، كي تستطيع البلدية الاستمرار بعملها… وإلا ما في خدمة». واعتبر السعودي «أنّ الأوضاع تزداد مأسوية لأنّه لغاية الآن لا نعلم ما إذا كانت ستُجرى الإنتخابات البلدية، ويأتي أناس بإدارة جديدة للبلدية، وزير الداخلية يؤكّد إجراء الانتخابات، ونتمنّى أن تحصل. لكن إذا ما استمرّ الوضع على حاله من دون معالجة التمويل والحصول على المستحقّات البلدية من الصندوق المستقلّ وتحسين مداخيل البلديات، ستبقى المشكلة ذاتها قائمة وأنا لا أنصح أحداً بالترشّح لهذه الإنتخابات».

يذكر أنّ السعودي كان قدّم استقالته إلى محافظ الجنوب منصور ضو الذي طلب منه التريّث، إثر قيام النائبين البزري والدكتور أسامة سعد بتحميله مسؤولية أزمة تراكم النفايات في المدينة، قبل أن يتمّ إنهاء الخلاف والتوافق مجدّداً على المشاركة في تحمّل المسؤولية.