بيع مكيفات ومولدات المنازل لأنّه… “لا لزوم لها”!

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

لبنان بلد التناقضات بالفعل، فلا ينازعه على هذا اللقب أي بلد. من اخترع عجائب الدنيا وثبّتها على الرقم 7 هو بالتأكيد لا يعرف عن لبنان شيئاً وإلا لكان رقمه تخطى الـ 70. أوليست أعجوبة أن نكون في عصر العولمة، حيث الدول من حولنا تسيّر مرافقها بالروبوت الآلي والحوكمة فيها في كل زاوية، ولبنان بلد بدون كهرباء 24/24 ولدينا وزارة للطاقة الكهربائية تتقاتل عليها القوى السياسية عند تشكيل أي حكومة جديدة؟

ومن المفارقات العجيبة في موضوع الكهرباء التي لا يمكن أن ترى مثيلًا لها إلا في لبنان، أن تجد في نفس المبنى الواحد، شقة تستخدم بالكهرباء للإنارة، وشقة أخرى تنار بواسطة المولد (الإشتراك)، وشقة ثالثة تنار بواسطة الطاقة الشمسية وشقة رابعة يتم إنارتها بالمولد الخاص، وشقة خامسة بالبطاريات والنيون، وشقة أخرى ليس لديها أي نوع من أنواع الإنارة لأنها لا تملك ثمن تأمينها، وهكذا دواليك.

إرتفاع أسعار المحروقات وما قابله من ارتفاع هائل في فواتير المولدات أدى بالكثير من البيوت للتخلي عن إشتراك المولد بشكل نهائي في عكار وطرابلس. وأمام الإنقطاع المتواصل للتيار الكهربائي عبر الدولة؛ كان لا بد لهذه العائلات من حلول لإنارة منازلها وتشغيل البرادات وخلافه. أول الحلول لدى العكاريين التفكير في تركيب نظام الطاقة الشمسية. في هذا الإطار فإن من استطاع تركيب أنظمة الطاقة الشمسية ولو بالحد الأدنى لجأ إلى هذا الحل ومن لم يستطع فما عليه إلا النوم على العتمة وغداً يومٌ آخر.

الطاقة الشمسية ورغم أن أسعارها مرتفعة وعلى الدولار الفريش، لكنها ليست بحلٍّ كامل يقدِّم كل ما تقدّمه الكهرباء العادية للمنازل ويغني عنها. حتى الذين ركّبوا أنظمة الطاقة الشمسية هم يدركون أنه لا يمكنها تشغيل المكيفات وبالأخص في فترات الليل حيث الحاجة الأكبر لها، إذ لا يمكن للبطاريات أن تستوعب متطلبات المكيفات من الكهرباء، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن تأمين مكيفات لا تستهلك الكثير من الطاقة وتسمى مكيفات انفرتر. مشكلة جديدة لاحت في الأفق، من أين سيتم تأمين سعرها بالدولار؟ ومن هنا أيضاً راح مواطنون عكاريون ممن ركّبوا أنظمة الطاقة يبحثون عمن يشتري مكيفاتهم الموجودة في المنازل لتأمين الدولار لشراء مكيفات أقل استهلاكاً للكهرباء، في حين أن من يملكون مولدات خاصة يبحثون أيضاً عمن يشتريها لأجل شراء بعض ألواح الطاقة الشمسية بثمنها، أو للمساعدة على متطلبات الحياة الصعبة، ولأنه لا إمكانية بعد الآن لتشغيلها، وذلك لارتفاع أسعار المحروقات المتواصل. غير أن رحلة بيع هذه المعدات الكهربائية ليست بالسهلة، ولا أحد يريد أن يتورط بمولد لا يمكنه تأمين البنزين أو المازوت لتشغيله، أو مكيف سيبقى بلا دوران لأن لا كهرباء عنده. في السياق يرى المواطن مظهر عمر من عكار أن مولد بيته الذي كان يستخدمه للإنارة وتشغيل معدات البيت الكهربائية لم يعد اليوم له فائدة. «فمن جهة أولى لا يمكنني تأمين المازوت لتشغيله ومن جهة ثانية سوف يتعرض للتلف طالما هو موجود بدون حركة… فلماذا لا أبيعه وأستخدم ثمنه بشيء مفيد للبيت في هذه الظروف الصعبة؟».

يبدو أنها رحلة يومية محفوفة بالمتاعب من أولها إلى آخرها، فرضتها الأزمة الإقتصادية والإنهيار على كل مواطن لبناني. وفي ظل تراجع مستمر لدور الدولة ومؤسساتها ولما لم يعد المواطن يصدّق وعودها ووعود وزرائها وحكوماتها، بات على كل مواطن أن يلعب هو دور الدولة فيؤمّن لبيته ومؤسسته الكهرباء ومن عدة مصادر حتى يتمكّن من تيسير أموره.