كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
عمّت الفرحة أرجاء بلدات وقرى محافظة بعلبك الهرمل لعودة التيار الكهربائي إليها وإلى ربوع أخواتها باقي المحافظات والذي يوفر تغذية يومية تدوم ساعتين فقط، بعد انقطاعٍ دام أكثر من أسبوعين ذاق فيه اللبنانيون مرّ وحرّ جهنم، في ليالٍ حالكة الظلمة بشّرهم بها العهد القوي.
أشبه بعرس أقيم في أحد أحياء مدينة بعلبك ترحيباً بعودة الكهرباء، وعلى وقع أغنية «أهلا بهالطلة أهلا» وحفلات الدبكة والأهازيج استقبلها الأهالي في صورةٍ تحمل فكاهةً في جانب منها وخيبة أمل على ما وصل إليه حال اللبنانيين، يفرحون لحصولهم على أبسط الحقوق في بلدٍ تقاسم فيه أرباب السلطة المغانم والمكاسب وتركوا الشعب يصارع للبقاء على قيد الوطن بما أمكن من مقومات.
تتراكم الأزمات الحياتية فوق رؤوس المواطنين ويرتفع معها منسوب القلق على الأيام المقبلة في ظل ضبابية المشهد العام وعدم وضوح الرؤية لجهة تحسن الأوضاع المعيشية واستقرار سعر صرف الدولار الذي يبدو أنه يعيش فترة سُبات ليست بطويلة ليعاود «طيرانه». وعليه، ووسط مصير مجهول يخيّم على مختلف قطاعات يتحكم فيها سعر صرف الدولار، اعتمد أصحاب مولدات اشتراك الكهرباء هذا الشهر في بعلبك الهرمل التسعيرة على الدولار وفق سعر صرف السوق السوداء أو الكاش، نظراً لارتباط أسعار المحروقات بالسوق وتغيرها كل يوم، ولم تختلف التسعيرة عن زمن الـ1500 حيث بقي سعر الـ5 أمبير 70 دولاراً أي مئة ألف ليرة قبل الأزمة ومليون وتسعمئة ألف ليرة وفق التسعيرة الحالية لهذا الشهر، ومع ارتفاع التكلفة الخيالية التي تفوق راتب الموظف عمد كثيرون الى قطع اشتراكاتهم ومنهم من قطعها منذ أشهر بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي عن لبنان أجمع.
بدأ صيف البقاع هذا العام باكراً حيث وصلت الحرارة الى ما فوق الـ35 درجة، لتبدأ رحلة الناس الشاقة في البحث عن سبيل لتأمين الماء البارد ليخفف عنهم حرّ جهنم التي وعدوا بها ويعيشونها منذ سنة وأكثر، وعن سبيل يخفف عنهم ثقل المصاريف الشهرية حيث تقوم العائلة بإعداد طبخة تكفيها ليومين في ظل ارتفاع الأسعار، وتحتاج الى البراد والكهرباء للحفاظ عليها، وفي ظل تراجع التغذية الكهربائية في مختلف المناطق اللبنانية وخصوصاً بعلبك الهرمل التي تخضع لمزاجية عمال التحويل تارةً، وبيعهم التيار لبعض أصحاب المولدات خلال الليل لتخفيف تكاليفهم تارةً أخرى، لجأ العديد من الناس في المنطقة الى الطاقة البديلة وتركيب الألواح الشمسية كلٌّ حسب استطاعته، حيث زادت نسبة الإقبال خلال الأسبوعين الماضيين مع دخول المنطقة موجة الحرارة المرتفعة.
ومع إعلان مصرف الإسكان عن توفير قروض للطاقة الشمسية للعائلات ذات الدخل المنخفض، توجّه كثيرون وممن لم تسنح لهم الفرص لتركيب الطاقة، إلى تجهيز أوراقهم وتقديمها للحصول على القرض والاستفادة منه، في ظل انعدام الخطط لمعالجة مشكلة الكهرباء في لبنان عامةً. كذلك استفاد كثيرون من القروض التي تقدمها جمعية «القرض الحسن» التابعة لـ»حزب الله» لعناصره، ويكفلهم من لديه رصيد مالي او يخصم من معاشه الشهري.
وعلى المقلب الآخر يعمد الكثير من أبناء المنطقة الى بيع ما توفر لديه من ذهب ومصاغ لتركيب حاجته من الألواح، وفي هذا الاطار يقول علي ي. لـ»نداء الوطن» إن وضع الكهرباء أخيراً لم يعد يحتمل وعليه شارك وشقيقه بتركيب منظومة من ستة ألواح وتوابعها بتكلفة تخطت الألفين وخمسمئة دولار، وأمّنا المبلغ من خلال بيع زوجتيهما قطعتين من الذهب كانت «الحيلة والفتيلة» وفق تعبيره، مضيفاً أن ارتفاع تكلفة اشتراك المولد دفعتهما الى هذا الاتجاه وهو خيارٌ طويل الأمد، مضيفاً أنه يستفيد من المنظومة التي تم تركيبها بتشغيل بئر المياه خلال ذروة أشعة الشمس ظهراً لتأمين حاجته.
الى ذلك، بدأت رحلة عذاب المزارعين في ري بساتينهم وحقولهم خلال الموسم في ظل ارتفاع أسعار المازوت وعدم القدرة على تأمين التكاليف ما دفع بعضهم ممن لديه القدرة الى تركيب منظومات طاقة شمسية، في وقت لم يستثمر بعضهم أرضه كالمعتاد في زراعة الخضار والبطاطا لعدم القدرة على تأمين المحروقات للري، وما بين الإثنين إهمال العديد من المواطنين أشجارهم المثمرة للمشكلة نفسها وتأمينهم الحطب للشتاء المقبل بعد أن تكون أشجارهم قد يبست.