شدد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على أن “دفاع أي أمة عن نفسها تجاه العدوان والعنصرية والاحتلال، هو دفاع عن البشر أجمعين، إذ ليس لعرق أن يحسب نفسه على هذه الكرة الأرضية الأول أو الأوحد أو الأنقى، وأن يستعمل أشنع أنواع الإبادة لفرض اغتصابه كما فعلت النازية وكما يفعل الصهاينة”.
وقال: “يدفعني منطق القانون الطبيعي الذي يقود خُطا التاريخ على دروب الحياة، إلى التأكيد على ان أي احتلال مهما طال، سيزول والقوة العسكرية الغاشمة تكسرَها إرادة الصمود والمقاومة والتحرير. وجيوش من سماهم السيد المسيح “أولاد الأفاعي” سوف تنكسر بدورها والاحتلال الى زوال.”
وأكد ان “المقاومة التي حمتها بيئتها ومناصروها على امتداد الوطن سوف تستمر في حماية لبنان، وسوف تتعاون مع القوى الجديدة الوطنية والحرة التي افرزتها الانتخابات، لعل هذا التعاون يقودنا إلى كلمة سواء تحفظُ الحاضر وتبني المستقبل.”
أضاف: “الخطاب الانتخابي ينبغي أن يعود إلى الوتيرة الطبيعية احتراما لإرادة جميع المواطنين. لبنان لنا كلنا ولا ينقذه سوى تضافرنا في العمل الإيجابي المبني على التفاهم والاتحاد، لا على صخب الحناجر التي تلهِب الأسماع ولا تفضي إلى نتيجة. علينا ان نجعل من التعاون وسيلة ومن إنقاذ لبنان واللبنانيين غاية، ومن حماية أنفسنا بأنفسنا، ومنع أحلام الاعتداءِ على حقوقنا وكراماتِنا هدفا أعلى، لكي نستحقَ هذا الوطن.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال كلمة له في البيت الروسي، في حضور السفير الكسندر روداكوف وحشد من الفاعليات، لمناسبة اطلاق الاصدار الخاص “روسيا بوصلة العالم الجديد”، في اجواء الاحتفال بمناسبة عيد الانتصار الروسي، حيث تطرق في مستهل كلامه لشجاعة الشعب الروسي في الدفاع عن وطنه ومواجهته احادية القطب الواحد وقال: “في خلال أقل من قرن ونصفه، شهد التاريخ محاولتين عسكريتين كبيرتين للهيمنة على العالم القديم، تكسرتا كلتاهما على أبواب روسيا: حملة نابوليون بونابرت عام 1812 والهجوم النازي الهتلري عام 1941، فكان الانتصار الروسي في كل منهما تحولا استراتيجيا غير مسار الزمن، وحال كل مرة دون أحادية القطب الواحد واستئثاره بتقرير مصير الكرة الأرضية واستتباع شعوبِها ودولِها. وفي كلتا الحربين قدم الشعب الروسي تضحيات جمة وأبدى بطولات أسطورية دفاعا عن وطنه، لكنه كان في الحقيقة يدافع عن أوطان الأمم جميعها بصورة غير مباشرة. ذلك أن عقيدة الاستعلاء وإلغاء الآخر، تنافي منطق الاجتماع البشري القائم على التعارف والتعاون، وتجافي القيم الإنسانية التي ترى الناس سواسية في وجودهم وحقوقهم، بحيث يصير دفاع أي أمة عن نفسِها تجاه هذه العقيدة وآلاتها العسكرية التدميرية دفاعا عن البشر أجمعين، إذ ليس لعرق أن يحسب نفسه على هذه الكرة الأرضية الأول أو الأوحد أو الأنقى، وأن يستعمل أشنع أنواع الإبادة لفرض أحاديته، كما فعلت النازية.”
وتابع: “وإذا كان الروس قد أطلقوا على مواجهتهم للغزاة اسم “الحرب الوطنية العظمى”، فإنما ينبغي للعالم كله من أجل هذه المعاني، أن يعيد للانتصار، وأن تعد تلك الحرب عظمى لدى كل الأمم بالمقاييس كافةً؛ لأنها، وبعيدا من آثارها السياسية والعسكرية والاقتصادية، يبقى لها في تقديري أثر آخر ثقافي بامتياز؛ فهزيمة النازيين أمام السوفيات لم تكن فقط هزيمة جيش مقابل جيش، بل هي أيضا اندحار اتجاه ثقافي ضد اتجاه نقيض له، وسيادة لمفاهيم التعددية والتعاون والحوار بين الشعوب على حساب مفاهيم السيطرة العسكرية والأحادية القطبية والعنصرية العِرقية.”
اضاف: “ولا شك تاريخيا في أن انهزام النازية على الجبهة الشرقية مع الاتحاد السوفياتي كان الفاتحة الأولى لانهيار الرايخ الثالث وانتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن من أكثر المفارقات عجبا أن الجيوش الألمانية أسرت خلال تلك الحرب خمسة ملايين ونصف المليون من جنود الجيش الأحمر، فحرمتهم حقوقهم كأسرى حرب، وتعمد النازيون قتلهم أو تجويعهم حتى الموت، فقضى أكثر من ثلاثة ملايين منهم جوعا، كما قتلت فرق الموت النازية بواسطة الغاز أكثر من مليون مدني سوفياتي. لكن الدعايات الإعلامية والقوانين الغربية على السواء تغمض الأبصار عن هذه الحقائق التاريخية، أو تكاد، ولا تركز إلا على ما نال اليهود فقط، في حين أن التضحيات التي قدمتها الشعوب الأخرى تبلغ أضعاف ما أصاب اليهود على أيدي النازيين من اضطهاد”.
وتابع: “أقول هذا وعيني على فلسطين وما يلاقي شعبها من قتل وسجن ونفي وتشريد، على غرار ما فعل النازيون بمن غزوا من شعوب. هذه الأعمال الإجرامية وثقتها أقلام عبرية إذ نقل أحد المؤرخين اليهود آدم راز عن لسان مجندة إسرائيلية قولها: “صور القتل والنهب كانت معروفة لنا. كل الأعمال الفظيعة التي جرت لنا في الهولوكوست والحرب العالمية الأولى وكل المذابح، ها نحن نفعلها بالآخرين الفلسطينيين”.
واشار الى انه “وفي الوقت نفسه يدفعني منطق القانون الطبيعي الذي يقود خُطا التاريخ على دروب الحياة، إلى التأكيد على أن أي احتلال مهما طال سيزول، وأن القوة العسكرية الغاشمة لا بد أن تكسرها إرادة الصمود والمقاومة والتحرير. وكما فعلت روسيا بجيش نابوليون، وكما فعل الاتحاد السوفياتي بجيوش هتلر، هكذا سيفعل الفلسطينيون بجيوش من سماهم السيد المسيح “أولادَ الأفاعي”. عالما في كل حال، بأن بعض الأعمال العسكرية قد تجد لها مبررا في إطار الدفاع عن النفس أو عن مصالح الأمة وحقوقها، لكن عقيدة العدوان النازية والصهيونية تعصى على أي مبرر، لأنها ترى في احتلال أرض الآخرين وقتلهم أعمالًا عادية، باعتبارهم ببساطة في نظرِها غيرموجودين، بل ليسوا بشرا. ”
وعلى الصعيد المحلي قال: “أعود إلى لبنان. لقد طوينا بالأمس صفحة الانتخابات النيابية التي أجريت في جو رائع من الديموقراطية والأمن، على الرغم من النبرة الحادة في خطاب تكتلات سياسية معينة جعلت الهجوم اللفظي على المقاومة وبيئتها ومناصريها مادة شبه وحيدة من برنامجِها الانتخابي. لكنني أود أن أستغل هذه المناسبة لتوجيه الشكر إلى السلطة السياسية وأجهزتها الإدارية وإلى السلطة القضائية والمؤسسات الأمنية والعسكرية على كل الجهود التي بذلوها لإنجاح هذا الاستحقاق، وإلى المواطنين أجمعين مقيمين ومغتربين لتعبيرهم عن آرائهم بالمشاركة أو الامتناع. وأضيف: إن بديهيات العمل الديموقراطي تفرض على الجميع احترام نتائج الانتخابات. لكن الخطابات العالية السقوف التي تستدعيها الأحوال الانتخابية من أجل شد عصب الجمهور وتجميع الأصوات، ينبغي لها أن تعود الآن إلى الوتيرة الطبيعية احتراما لإرادات جميع المواطنين”.
ودعا “الجميع الى كلمة سواء” وقال: “لبنان لنا كلِّنا ولا ينقذه مما هو فيه سوى تضافرنا في العمل الإيجابي المبني على التفاهم والاتحاد، لا على صخب الحناجر التي تلهب الأسماع ولا تفضي إلى نتيجة. أما المقا-ومة التي حمتها بيئتُها ومناصروها على امتداد الوطن، فمدعوة للاستمرار في حماية لبنان، ومدعوة أيضا لاحتضان القوى التي باتت تشكل المجلس النيابي الجديد، لعل هذا الاحتضان يقودنا إلى كلمة سواء تحفظُ الحاضر وتبني المستقبل. فلْنجعلَن إذًا من التعاون وسيلة ومن إنقاذ لبنان واللبنانيين غاية، ومن حماية أنفسنا بأنفسنا، ومنع أحلام الاعتداء على حقوقنا في ترابنا ومائنا وسمائنا وكراماتنا هدفًا أعلى، لكي نستحقّ هذا الوطن.”
وختم الوزير المرتضى: “في ظل المعاني الوارفة لذكرى الانتصار على النازية، نؤكد تشبثَنا بمبادئ التلاقي بين الشعوب، واحترام مصالحها المتبادلة. كما نؤكد حرصنا على متانة العلاقات بين روسيا الاتحادية ولبنان، ولا سيما على صعيد التعاون الثقافي، ونهنئ الشعب الروسي في هذه المناسبة، مثمنين تضحياته التي أنقذت العالم.”