لبنان على مشارف أزمة سيولة نقديّة قاسية!

كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:

 

رجّح مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط»، دخول لبنان في أزمة سيولة نقدية قاسية بالعملة الوطنية، إلى جانب تصعيد استثنائي للنزاع المفتوح بين المصارف ومرجعيات قضائية مع توالي قرارات الحجز على أموال منقولة وغير منقولة؛ الأمر الذي يدفع ادارات المصارف إلى عقد اجتماعات طارئة وسط طروحات لتصعيد المواجهة، وصولاً إلى اتخاذ قرار بالإقفال الجماعي التحذيري ومطالبة الحكومة ومصرف لبنان بالتدخل العاجل للتوافق على «معالجات عادلة للأزمات المستجدة».

 

وتمّت دعوة الجمعية العمومية الطارئة للمصارف للالتئام في نهاية الأسبوع الحالي عوضاً عن الاجتماع الذي كان مقرراً بعد ظهر أمس، في حين أفضى اجتماع استثنائي إلى استخلاص معلن بأنه لا يمكن للمصارف «أن تبقى بالرغم عنها في مواجهة مع المودعين لأسباب لا تعود لها ولا تتحمل مسؤوليتها، كما أنها لا يمكن أن تقبل منذ الآن وصاعداً أن تتحمل نتائج سياسات مالية سابقة وتدابير مجحفة صادرة عن السلطات المختصة والتي جعلتها كبش محرقة تجاه المودعين، ولا أن تكون ضحية مواقف شعبوية تصدر نتيجة تموضعات سياسية أو أن تتحمل تدابير غير قانونية صادرة بحقها».

 

وقررت الجمعية الإبقاء على اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات وتجاوب المعنيين، مع الاحتفاظ بحقها باتخاذ الإجراءات كافة التي تراها مناسبة صوناً لمصلحة المواطنين وللمصلحة الوطنية العليا، مبيّنة في بيانها العاجل «أن استمرار اتخاذ التدابير التعسفية وغير القانونية بحق المصارف يطيح القطاع المصرفي ويلحق أشد الضرر بمصالح المودعين، خصوصاً في ضوء التداعيات السلبية لعلاقاتها مع المصارف المراسلة الأجنبية، كما أنها تشكّل الضربة القاضية لما تبقّى من الاقتصاد اللبناني».

 

وفي تنويه لافت، لاحظت الجمعية أن المصارف «آثرت حتى اليوم السكوت عن الإجراءات غير القانونية والممارسات التعسفية والضغوط غير الواقعية وحملات التشهير المستمرة الصادرة عن العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية؛ حرصاً على حقوق المودعين ومن أجل تجنيب القطاع المصرفي أضراراً إضافية بعد كل ما مرّ به من أحداث وتحديات. وقد تكلّلت هذه الممارسات أخيراً بمزيد من الإجراءات القضائية غير القانونية والتعسفية التي يشوبها عيب تجاوز حد السلطة».

 

بالتوازي، تشهد ردهات المصارف وفروعها إشكالات يومية بسبب اختناقات السيولة، حيث يعاني المودعون من أزمة مزدوجة بسبب زيادة التقنين في ضخ النقود الورقية بالليرة من جهة، ومن توسع ظاهرة رفض السداد عبر البطاقات المصرفية من جهة موازية، وذلك وسط تبادل علني وغير مسبوق لكرة المسؤولية بين مصرف لبنان والجهاز المصرفي. وتعزز ذلك بتلويح أصحاب المخازن الكبرى والسوبر ماركات بإلغاء خدمة الدفع بالبطاقات الممغنطة ما لم تتم الاستجابة لمطلبهم بتحويل الأموال المخزنة إلى الدولار عبر منصة «صيرفة».

 

ويوضح المسؤول المصرفي، أن الاختناق النقدي بالعملة الوطنية «نتج تلقائياً عن التدابير الوقائية التي اتخذها البنك المركزي لكبح تدهور الليرة الذي بلغ مستويات قياسية عند مستوى 33 ألف ليرة لكل دولار قبيل نهاية العام الماضي»، لافتاً إلى أنه «يستهدف أساساً تحجيم كتلة النقد المتداول بالليرة خارج مخزونه، والتي تعدّت عتبة 45 تريليون ليرة، حيث يجري وللشهر الثالث على التوالي، استبدال مستحقات السحوبات بالليرة بالدولار الورقي عبر منصة (صيرفة) التي يتولى إدارتها بالتعاون مع المصارف وشركات الصيرفة المشتركة، مع إتاحة إجراء عمليات الاستبدال من الليرة إلى الدولار للمبالغ النقدية، ومن دون سقوف محددة».

 

وقد زاد الضغط على العملة الورقية بالليرة حدّة، مع شبه تعميم ظاهرة رفض السداد عبر البطاقات المصرفية؛ مما حرم مئات آلاف الموظفين والمخرين من استخدام الآلية الإلكترونية للمدفوعات أو تكبيدهم عمولات تراوح بين 5 و15 في المئة على المبالغ المستخدمة للسداد، علماً بأن المصارف تضخ أيضاً سيولة إلكترونية بالليرة لنحو 200 ألف مودع شهرياً لقاء نصف حصصهم المتاحة وفق مندرجات التعميم رقم 161، وبسعر 12 ألف ليرة لكل دولار، أي ما يوازي نحو 2.4 مليون ليرة نقداً لكل شخص.

 

بدوره، دخل البنك المركزي على تقنين السيولة، مذكراً المصارف بأنها «تستطيع أن تستحصل على الليرة اللبنانية نقداً على أن تقوم ببيع الدولار الأميركي الورقي على سعر منصة (صيرفة) لديه. ما يعني أنه باستطاعتها تأمين حاجات المودعين لديها بالليرة من دون التقيد بالكوتا التي يمنحها لها مصرف لبنان؛ ولذا على المصارف إلا تخفض سقوف السحوبات لزبائنها شهرياً بالليرة نقداً طالما لديها الإمكانيات لتأمين السيولة عبر المنصة، كما ستقوم لجنة الرقابة على المصارف بالتأكد ميدانياً من وضع السيولة لدى المصارف».