كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
فيما تتّجه الانظار اليوم الى جولات مفتشي وزارة الاقتصاد لمراقبة مدى التزام اصحاب السوبرماركات والموردين بخفض اسعار السلع بعدما تراجع سعر الصرف من 33 الفا الى 20 الفا، لا بد من الاشارة الى ان موجة غلاء عالمي على الابواب تقدّر زيادته بنحو 20 % يترافق مع ارتفاع اسعار النفط والشحن عالميا بعد انكماش وركود اقتصادي امتدّ عامين بسبب جائحة كورونا، ناهيك عن حزمة الرسوم التي تعدها الحكومة في موازنة 2022 وعلى رأسها الدولار الجمركي.
في خلاصة الجولات التي تقوم بها وزارة الاقتصاد على المتاجر والسوبرماركت والموردين من اجل مراقبة مدى انخفاض الاسعار تماشياً مع تراجع سعر الدولار في السوق الموازي يمكن استخلاص ثلاثة امور اساسية:
اولا: بعض المستوردين لم يخفضوا أسعار السلع بالمقدار المطلوب اي ان التراجع لا يتطابق مع نسبة تراجع الدولار من 33 الفا الى 20 الفا، والذي يفترض تراجع الاسعار بنسبة 30 %، بحيث تبيّن ان بعض الاسعار تراجع احتسابها من دولار 33 الفا الى دولار 27 الفا او 25 الفا.
ثانيا: بدلاً من ان تتراجع، ارتفعت اسعار بعض السلع في بعض السوبرماركات وذلك لسببين، اما لأنّ هذه السلع لم تسعّر اساسا وفق سعر صرف السوق المرتفع اي الـ 33 الفا وهذه سلع ضئيلة جدا وهي في غالبيتها كماليات ومن الصناعات المحلية ويعزو منتجو هذه السلع الى ارتفاع الكلفة التشغيلية مثل ارتفاع كلفة المازوت ورواتب الموظفين الى جانب ارتفاع اسعار المواد الاولية عالميا. على سبيل المثال، ارتفاع ثمن الزيت عالميا 35 %، كذلك لم يتراجع سعر البيض بالنسبة المطلوبة بسبب تراجع الانتاج الى حدود 35 % في مثل هذه الفترة من العام بسبب الصقيع، واضطرار اصحاب المزارع الى شراء المازوت من السوق السوداء لتأمين التدفئة للدواجن، الى جانب اقدام المزارعين على استيراد اللقاحات والعلف والصويا من الخارج.
ثالثا: التزام بعض اصحاب السوبرماركات بخفض الاسعار بنسبة 30 % وهذا ما تأكّد من خلال الجولات، انما لوحظ في المقابل ان السلع التي انخفضت اسعارها هي السلع الاساسية مثل السكر والارز والحليب والحبوب.. بينما الكشف على اسعار بعض السلع الاستهلاكية اي التي لا تدخل ضمن السلة الغذائية مثل العطور وحفاضات الاطفال والمحارم والشامبو والشوكولا وشفرات الحلاقة… أظهَر عدم التزام بخفض الاسعار.
وفي السياق، أكد مدير عام وزارة الاقتصاد محمد ابو حيدر لـ»الجمهورية» انه وبتكليف من وزير الاقتصاد محمد سلام ستستكمل الدوريات على المتاجر والسوبرماركت هذا الاسبوع لتطال كامل سلسلة الغذاء من المستوردين الى تجار الجملة الى اصحاب السوبرماركت وصولاً الى المستهلك. وقال: حين لم تعد محاضر الضبط تردع المخالفين وتخفّض الاسعار اتخذنا قراراً بتغيير طريقة التعاطي، لذا استحصلنا على اشارة من القضاء بإقفال السوبرماركات او المتاجر المخالفة بالشمع الاحمر، وهذا ما بدأ تنفيذه الاسبوع الماضي وسيستكمل هذا الاسبوع، خصوصاً ان هذا الاسلوب كان فعّالا جدا وساهم في خفض اساسي بالاسعار لا سيما من جانب الموردين. وأكد انه قبل تسطير اي محضر، يستند في المراقبة الى فواتير التسعير الصادرة عن نفس السوبرماركت بتاريخ 11 كانون الثاني 2022 عندما كان سعر الدولار 33 الفا ويقارنها بالمعمول بها حاليا. وأكد ابو حيدر ان غالبية السوبرماركات العاملة في البلد تُسطّر في حقها محاضر ضبط ولا سيما الكبيرة منها، وتوجّه لإقفال كل المخالفين اعتبارا من هذا الاسبوع.
واثنى ابو حيدر على دور القضاء والاجهزة الامنية بمختلف صلاحياتها على مواكبة وزارة الاقتصاد في الحملة التي تقودها، واكد ان الحملة مستمرة ولا غطاء على احد كما سبق لوزير الاقتصاد ان أعلن.
وردا على سؤال عمّا اذا كانت هذه الحملة ستطال قطاعات غير السوبرماركت، اوضح ابو حيدر ان المراقبة مطلوبة في كل المرافق، ووزارة الاقتصاد التي لديها فقط 50 مراقبا لا يمكنها ان تقوم بدوريات على كل شيء، لذا المطلوب من بعض الوزارات والبلديات ملاحقة المخالفين، ففي قطاع المطاعم المراقبة منوطة بالشرطة السياحية، أمّا مراقبة المصانع ومدى تقيدها ومطابقتها لشروط السلامة فمنوطة بوزارتي الصناعة والصحة، ومراقبة المازوت المغشوش تعود لوزارة الطاقة التي عليها وقف فتح اعتمادات لمن يستورد المغشوش، ومراقبة بطاقات التشريج ومن يخزّنها ومن يسعّرها كسوق سوداء من صلاحية وزارة الاتصالات، ومراقبة اسعار الخضار في سوق الجملة تعود لوزارة الزراعة، بينما ينصَبّ جهدنا اليوم على مخالفة اصحاب المولدات والتسعير في السوبرماركت.
اضاف: لا شك ان المرحلة صعبة ودقيقة والتعاون مطلوب من الجميع.
من جهته، وبعدما تحولت اصابع الاتهام في الايام الماضية نحو الموردين على اعتبار انهم المسؤولون عن عدم تسليم لوائح مخفضة باسعار السلع المستوردة، يؤكد نقيب مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي لـ»الجمهورية» ان اسعار الموردين انخفضت ووزير الاقتصاد محمد سلام قام بجولة على شركات كبار الموردين واطّلع على لوائح التسعير ولم يجد شيئا لأن الاسعار فعلا تراجعت، مؤكدا ان بعض الموردين قدموا لوائح معدّلة منذ اليوم الاول لتراجع سعر الصرف. وفي المحصلة، قدموا حتى اليوم أكثر من 3 لوائح معدّلة بالاسعار مواكبة للتراجع المستمر في سعر الصرف. وتوقّف بحصلي عند بعض الحقائق التي اتضحت بعد دوريات التفتيش التي حصلت في السوق:
اولاً: انّ غالبية الشكاوى طاولت المنتجات المحلية الصنع، وهنا لا بد من الاشارة الى ان هذه الشركات لم ترخّص اسعارها بنسب كبيرة لأنها لم تعتمد سعر دولار 33 الفا في التسعير اي ان اسعارها اساسا لم ترتفع الى هذا الحد، مع التشديد على ان هذا لا يعني انهم لم يخفّضوا اسعارهم راهنا.
ثانيا: ان كل الموردين خفّضوا اسعارهم لكن المطالبة بخفض النسبة 30 في المئة ليست محقة لأن الموردين لم يسعروا اصلاً وفق دولار 33 الفا ولم يسلموا بضاعة على هذا السعر، مؤكداً ان التسعيرة لم تتخط دولار 29 و30 الفا.
اضاف: قد تكون بعض المتاجر او السوبرماركات رفعت الاسعار من تلقاء نفسها لحفظ كلفتها التشغيلية لكن ليس الموردين. وبالتالي عندما تراجعت الاسعار تراجعت من سعر صرف 30 الفا وأدنى. لذا نحن نرى ان نسبة الخفض التي يطالبون بها غير منطقية.
ثالثا: بشهادة وزير الاقتصاد والمدير العام ان بعض الشركات الغذائية العالمية دعمت اسعار السلع في السوق اللبنانية من خلال التسعير وفق دولار 18 و20 الفا للدولار.
من جهة أخرى، تحدث بحصلي عن اطلاق النقابة بالشراكة مع نقابة اصحاب السوبرماركت مبادرة تم عرضها على وزير الاقتصاد من شأنها ان تعطي شفافية في العمل التجاري وتقضي بتسليم اصحاب السوبرماركات لائحة بأسعار نحو 50 سلعة اساسية الى وزارة الاقتصاد على ان تصدر هذه الاخيرة لائحة تحدد فيه الحد الادنى والاقصى لسعر كل سلعة، ومن شأن هذه المبادرة ان تساعد المستهلك ليعرف من اين يشتري احتياجاته وان يقاطع المتجر الذي يسعّرعالغالي.
ونبّه بحصلي الى اننا مقبلون على موجة غلاء في اسعار السلع الغذائية عالميا تقدر نسبتها بنحو 20 %، ناهيك عن ارتفاع اسعار النفط عالميا وتكاليف الشحن البحري وهذا ما سينعكس ارتفاعا في اسعار السلع بنتيجة جائحة كورونا التي امتدت نحو عامين، وأدّت الى ركود عالمي. من دون ان ننسى ان الحكومة اللبنانية أعدّت في مشروع موازنة العام 2022 ارتفاعا في كلفة الرسوم والمعاملات الجمركية الى جانب الدولار الجمركي ما من شأنه ان ينعكس لاحقا ارتفاعا في اسعار السلع. وأكد انه في قطاع السلع الغذائية لا وكالات حصرية لأحد، والسوق مفتوحة أمام الجميع والمنافسة مشروعة ومرحّب بها.