أزمة النقل البرّي “تفقّس” أزمات: اللبنانيّون عالقون في مناطقهم

كتبت زينب حمود في “الأخبار”:

 

مع غياب النقل العام المشترك، والارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، و«جنون» الدولار، تشتد حدّة أزمة النقل البرّي. ولأنّ النقل هو العمود الفقري لكل مفاصل الحياة، «تفقّس» هذه الأزمة أزمات: أزمة الباص المدرسي، أزمة «السرفيسات» وفوضى التعرفة، وأزمة بدل النقل للموظفين… إزاء ذلك، وجد اللبنانيون أنفسهم «عالقين» في رقعة واحدة، وعاجزين عن القيام بـ«المشاوير» البعيدة. فيما حدودهم تتوقف عند قدرتهم على المشي. ويقيّدهم «هاجس» بدل النقل قبل التفكير في الخروج من المنزل. لذلك، «كيّف» كثيرون حياتهم وفق قاعدة: «المكان القريب أولى بالزيارة لتفادي كلفة المواصلات».

 

مع بداية العام الدراسي المتعثّر، بدا واضحاً نزوح الطلاب إلى المدارس القريبة من سكنهم بسبب الكلفة المرتفعة للباص المدرسي والتي تتخطّى في كثير من الأحيان قيمة الأقساط نفسها. فيما عمد البعض إلى «حلّ» المشكلة بنقل السكن إلى أماكن قريبة من المدرسة أو العمل، وخصوصاً من كانوا يسكنون في قرى غير بعيدة ويقصدون العاصمة يومياً، فيما وجد آخرون «الحلّ» بالتخلي عن العمل نهائياً بعدما بات الراتب أقل من كلفة النقل. حتى إن معظم عروض العمل صارت تنتهي بالعبارة الآتية: «يفضّل أن يكون سكن الموظف/ة قريباً من مكان العمل».

 

صحيح أن بعض المؤسسات الخاصة رفعت بدل النقل إلى 65 ألفاً يومياً، إلا أن رواتب الموظفين تآكلت إلى حد صار بدل النقل لا يُصرف على النقل بل لدعم الرواتب المتدنية. هكذا يفعل عباس الذي يقول: «رغم أن رب العمل رفع بدل النقل، إلا أنني أتوجّه إلى عملي سيراً على الأقدام لأنني أبحث عن أي فرصة للتوفير». ويتجنّب أيّاً من المشاوير التي تتطلّب مواصلات، حتى «إنني نادراً ما ألتقي خطيبتي التي تسكن في الجنوب، فيما أنا عالق في بيروت كالسجين».

 

كثيرون من سكان المدينة ممن كانوا يقصدون قراهم نهاية كل أسبوع باتوا اليوم محرومين من هذا «الترف»، كحال علي الذي يبدي ندمه على التكاليف الباهظة التي تكبّدها لبناء بيت في قريته قبل أعوام، «فمنذ أشهر طويلة، لم أقصد القرية بعدما صارت كلفة المواصلات عبئاً ثقيلاً». آية، شأنها كشأن علي، حرمت زيارة العائلة في عكّار نهاية كل أسبوع كما جرت العادة، بعدما «ارتفعت كلفة النقل إلى عكار من عشرة آلاف ليرة إلى مئة ألف». هذه السنة، فوّت علي موسم قطاف الزيتون للمرة الأولى في حياته، و«ضمّن الزيتونات» لأحدهم لقاء نصف المحصول. إذ إن «سعر تنكة البنزين، إضافة إلى الخسارة الناجمة عن التغيب عن العمل ثلاثة أيام يفوقان سعر تنكة الزيت».