كتب عماد مرمل في “الجمهورية”: دخلت العلاقة المرهفة بين «حزب الله» وباريس في مرحلة «العناية الطبية»، بعد رحلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى السعودية وما رافقها من تصويب على «الحزب».
تفادى «حزب الله» حتى الآن التعليق المباشر على الشق اللبناني من زيارة ماكرون للسعودية وما تخلّلها من اتصال هاتفي تحت إشرافه بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، معطوفاً على بيان ختامي شديد اللهجة في رسائله الموجّهة الى الحزب.
ويبدو انّ «الحزب» إختار الاعتراض «الكاتم للصوت» على حصيلة الزيارة، حتى لا يجري تحميله مسؤولية إحباط محاولة ترميم العلاقات الرسمية مع السعودية، مفضّلاً ان يُعطي المعنيين في السلطة فرصة لمعالجة الأزمة واختبار نيات الرياض، مفترضاً انّ هذه المحاولة تختزن اصلاً في داخلها عوامل تعثرها، كونها تواجه عقبات وصعوبات لن يكون من السهل تخطّيها، كما تبيّن له من سقف البيان المشترك الفرنسي – السعودي، «فلماذا يأخذ الحزب على عاتقه مهمّة التصدّي العلني لمسعى غير مضمون؟».
وما فاجأ الحزب ليس الموقف السعودي بطبيعة الحال، بل المجاراة الفرنسية له، خصوصاً انّ التواصل لم ينقطع بينه وبين باريس التي كان يتصرف معها، على أساس أنّها الأكثر واقعية في مقاربة الشأن اللبناني بالمقارنة مع غيرها من العواصم العربية. وقد تُرجمت هذه الواقعية من خلال امتناع الفرنسيين حتى الآن عن تصنيف الحزب ارهابياً كما فعلت دول غربية كثيرة، وذلك حتى يظلّوا قادرين على التحاور معه وانتزاع دور وازن لهم في لبنان. كذلك، تأخذ باريس في الحسبان انّ هناك وجوداً لقواتها في الجنوب ضمن «اليونيفيل»، ما يفرض عليها مزيداً من الدقة في الحسابات.
وكان الحزب بدوره يسجّل لباريس براغماتيتها في التعامل مع الوضع اللبناني، كما ظهر على سبيل المثال من طريقة مقاربتها لمسألة السلاح، والتي بادر ماكرون نفسه الى إخراجها من حيز التداول خلال اجتماعه مع ممثلي الاحزاب في «قصر الصنوبر» عندما زار لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت، حرصاً منه على حماية مبادرته وعدم محاصرتها بطرح تعجيزي، ما تسبّب آنذاك في تذمّر كبير لدى بعض خصوم «حزب الله» ممن شاركوا في اللقاء.
يومها، شدّد ماكرون على أنّ «الأولوية ليست للبحث في السلاح»، مضيفاً: «نحن لدينا رأينا في موضوع سلاح «حزب الله». لكن الأولوية حالياً هي للإصلاحات (…) أريد أن أقوم بما هو مفيد، ولا تقحموني في أمور أخرى، وإلاّ فإنكم تكونون كمن يأخذ بلاده الى الخراب». ثم توجّه إلى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ممازحاً: «أنا أدافع عنكم فيما أنتم صامتون».
لكن، وبعد زيارة ماكرون الأخيرة الى جدة، ساد قيادة الحزب استياء شديد من الموقف الفرنسي المساير للرياض، والذي جرى تظهيره عبر البيان المشترك الصادر عن اجتماع ماكرون بولي العهد، معتبرة انّه يتعارض والمنحى العام للديبلوماسية الفرنسية الذي رسمه ماكرون عند إطلاق مبادرته حيال أزمة لبنان.
وعلى الرغم من انّه لم يحصل تواصل مباشر مع باريس، عقب رحلة جدة، الّا انّ اصداء الإنزعاج الذي يشعر به الحزب وصلت إليها بأشكال أخرى.
وينقل مطلعون عن اوساط «حزب الله» قولها: «إذا كانت لدى الفرنسيين مصالح تجارية واقتصادية مع السعودية فنحن نتفهمّها، لكن لا نقبل ان يحققوا مصالحهم ومكاسبهم على حسابنا ومن خلال الإساءة الينا. وإذا أرادوا تأمين اتصال هاتفي بين ميقاتي وولي العهد السعودي فهذا شأنهم ولا علاقة لنا بذلك، اما ان يوجّهوا الينا اتهامات ظالمة ويتحاملوا علينا فهذا مرفوض ومستغرب، خصوصاً انّ الخطوط بيننا وبينهم لم تنقطع أساساً».
وتعتبر الاوساط، تبعاً للمطلعين، انّ طريقة تأمين الاتصال بين ميقاتي وبن سلمان لم تكن ملائمة من حيث الشكل أو الإخراج الديبلوماسي «وهي تعكس خفة في المعالجة»، معربة عن خشيتها من ان تكون استقالة الوزير جورج قرداحي شبه مجانية، بحيث يقتصر مفعولها على مكالمة هاتفية، لا تغني ولا تسمن من جوع في نهاية المطاف.