لم يكن الحقّ في السكن يوماً من أولويّات صنّاع القرار في لبنان. لسنوات طويلة، طالب معظم الخبراء والمعنيين بالقطاع، عبثاً، بسياسات إسكانية استراتيجية تحترم أصول التنظيم المديني وتترافق مع مخططات لتأهيل البنى التحتية وتنظيم قطاع النقل. والأهم: تحديد جهة تتولى تلك المهام بعد إلغاء وزارة الإسكان عام 2000.
ونتيجة الإمعان الرسمي في تغييب الحق في السكن اللائق، وفي غياب جهة ترعى القطاع وتنظّمه، بقيت الفوضى تحكم آلية الإيجارات السكنية التي تخضع لقانون الموجبات والعقود. ومع الانهيار غير المسبوق الذي تشهده البلاد، لم تتكشّف ملامح تلك الفوضى فحسب، بل تفاقمت بشكل يخالف أبسط بديهيّات القوانين الراعية للسكن.
وفق المنسّقة القانونية لـ«مرصد السكن» مايا سبع أعين، فإنّ زيادة الإيجارات السكنية باتت تتم شهرياً «علماً بأن القانون ينصّ على عدم زيادة الإيجارات لمدة ثلاث سنوات وعلى عدم وجوب الإخلاء بما يشكل ضمانة للمُستأجر»، مُشيرةً إلى غياب الحماية للمُستأجرين الذين باتوا يجبرون على الإخلاء إما بسبب الزيادات المستمرة للإيجارات أو بسبب لجوء المالك الى طردهم بطرق ملتوية. وأوضحت «أن الإخلاء الفوري يجب أن يتم عبر المحاكم المختصة. ولكن، في ظل الوضع الاستثنائي للمحاكم وإضرابات المساعدين القضائيين والمماطلات في تحديد الجلسات وغيرها، يضطرّ كثر من المُستأجرين الى الامتثال لطلبات المالكين الذين باتوا يفضّلون شغور شققهم على الحصول على بدلات إيجار لا تكفي تكاليف الترميم والصيانة».
لا أرقام رسمية واضحة ودقيقة لحجم تضخّم أسعار الإيجارات السكنية في بيروت والمدن الكبرى والمناطق، لكنّ تقديرات الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين تُشير الى أن الحد الأدنى لإيجار سكني في بيروت والمدن الكبرى بات محدّداً بين أربعة ملايين ليرة وسبعة ملايين ليرة، ويصل إلى مليونَي ليرة في المناطق البعيدة عن المدن، «عدا عن الإيجارات التي باتت تشترط الدفع بالدولار». ووفق هذه التقديرات، فإنّ الحدّ الأدنى للإيجارات السكنية بات يوازي ستة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور على الأقل، ما يُفسّر شكاوى عشرات المستأجرين من الارتفاع الكبير في الإيجارات دفعة واحدة من دون أن تطرأ أيّ زيادات على الرواتب.
وفق سبع أعين، يتلقّى «مرصد السكن»، شهرياً، بين 40 و50 بلاغاً تتعلق بخطر خسارة السكن بسبب ارتفاع الإيجارات، «فالإيجار الذي كان محدّداً بـ 400 ألف ليرة بات على الأقل مليوناً ونصف مليون ليرة»، مُشيرةً الى طلبات الإخلاء الفوري غير القانونية التي تطلب من المستأجرين، «علماً بأن العرف في حالات التراضي يفرض مهلة شهرين لإخلاء المأجور».
أما عن اللجوء الى الآليات القانونية، فتشير سبع أعين الى أن كلفة إيداع الإيجار لدى الكتّاب العدل «تفوق أحياناً فارق زيادة الإيجار، ما يصعّب المهمة على المُستأجرين». وهذا ما فاقم النزاع غير المعلن بين المُستأجرين والمالكين في ظل غياب جهة تفصل بينهم، تماماً كما حصل في قضيّة الإيجارات القديمة التي لا تزال موضع خلاف لجهة تحديد بدلات الزيادة وتطبيق مهل انتهاء العقود، ولجهة صلاحية تطبيق القانون في ظل عدم تشكّل صناديق التعويضات المخصّصة للمستأجرين الأكثر هشاشة، فضلاً عن عدم تشكيل اللجان المكلفة بتّ تلك النزاعات.
المصدر: الأخبار