كتب منير الربيع قي “المدن”:
يستمر التأزم والتصعيد في لبنان. ويطال الملفات كلها. ولم يحدث أن بنى اللبنانيون سياساتهم ومواقفهم على التقائهم وتضامنهم، بل على أن يعيشوا في دوامة مدمّرة. وعندما يخطئ طرف منهم يبني خصومه حساباتهم على أخطائه، فيراكمون عليها أخطاء جديدة. ومن لا يخطئ يديرون له ظهورهم.
وهذه المنهجية من أبرز مقومات التدمير التي يشهدها لبنان حالياً في سقوط آخر ما تبقى من مؤسساته: قضاء لي وقضاء لك. قضاء عليّ وقضاء عليك. وإذا تبصّر هذا أو ذاك، وجد فرصة لإقصاء الآخرين أو ضربهم. وهم إذا عزّت الأهداف يضربون أنفسهم، وما تبقى لديهم من ما يسمى دولة أو مؤسسات.
سياسة “وحدة بوحدة”
الحكومة معطّلة في انتظار حلّ ملف التحقيق في انفجار المرفأ. ويقول الثنائي الشيعي إن أداءه السياسي بعد حادثة الطيونة تغير تغيراً كاملاً، ولا مجال لحلفائه بمطالبته بأي مراعاة أو تنازل. ويعرف الثنائي، وخصوصاً حزب الله، أن مشكلته مع حليفه التيار العوني. وخلافهما أدى إلى تعطيل مجلس الوزراء. ولن يتنازل الثنائي قبل تنحية القاضي طارق البيطار أو إيجاد صيغة قانونية للآلية التي يتبعها في تحقيقاته، وعلى نحو لا يمس بوزراء ورؤساء ونواب. وتلقائياً أصبح هذا الملف هو المقابل لملف حادثة الطيونة.
وقاعدة “وحدة بوحدة”، هي التي تتحكم بالمسارات السياسية اليومية. وهي مستلهمة من قاعدة 6 و6 مكرر. التحقيق بانفجار المرفأ مقابل التحقيق بحادثة الطيونة. وهنا يضغط رئيس الجمهورية في الاتجاهات كلها، ضد خصومه وحلفائه معاً. ضد الحلفاء لتحسين شروطه. وضد الخصوم ليوجه ضربات متتالية لهم، حشرهم وإحراجهم، وإلحاق الخسارة بهم، قبل الانتخابات النيابية، ليقول إنه حقق إنجازات.
المرفأ يساوي الطيونة
وانطلاقاً من هذه القاعدة يتم التعاطي مع ملف التحقيق في حادثة الطيونة، لإحراج القوات اللبنانية وسمير جعجع تحديداً. وأول تعليق لمقربين من الرئاسة على ردّ جعجع حول استدعائه القضائي، هو أن “ما ربحه رئيس القوات من مواقفه حول التحقيق بانفجار المرفأ ومن حادثة الطيونة، تبخر سريعاً بعد طلب الاستماع إلى إفادته ورفضه الإدلاء بها. وأول ردّ عليه هو أنه يتعاطى بازدواجية”.
وهذا ما يعتبره العهد وحلفاؤه خطأً ارتكبه جعجع. وعليه يراكمون، بحثاً عن تسوية تتعلق بالمرفأ. ولا أحد يقدر على تحقيق العودة إلى سنة 94 وسيدة النجاة، ولا غيرها. وتقتصر المعادلة على الاحتكام إلى قاعدة أن إنهاء التحقيق بانفجار المرفأ هو مفتاح إنهاء الملفات كلها.
القضاء مسرح التجاذبات
ويستمر ضغط رئيس الجمهورية في الاتجاهات كلها، ويظل القضاء هو المسرح. وفي الأيام الماضية برزت التسوية التي تم العمل عليها بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات والقاضية غادة عون التي استعادت صلاحياتها. وتفيد المعلومات أن عويدات شعر أن قرار مجلس شورى الدولة سيكون لصالح عون، فقرر التنازل. وتشير مصادر أخرى إلى أن عويدات أراد تسوية علاقته برئيس الجمهورية. وكسبت غادة عون نقطة على مجلس القضاء الأعلى. وخطوة استعادتها صلاحياتها لا بد أن تقودها إلى تحقيق نقطة ثانية، وهي تحريك ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مجدداً.
وهناك اتجاه للادعاء على سلامة وتفكير في تسطير مذكرة توقيف بحقه على خلفيات ملفات مالية عديدة، من بينها الكشف عن معطيات جديدة مصدرها ألمانيا حول حسابات أو حوالات مالية لسلامة. ويضغط رئيس الجمهورية بكل الاتجاهات لمحاكمة سلامة، أو كف يده وتعيين بديل عنه.
وهذا ما يتجنبه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يعتبر أنه لا بد من الاستفادة من سلامة ببقائه في منصبه لمدة أطول. لكن عون مصرّ على موقفه، ويعتبر أنه خلال مفاوضات تشكيل الحكومة مع ميقاتي كان مطلب إقالة سلامة هو شرط أساسي التزم به رئيس الحكومة. لكن ميقاتي يعتبر أنه لم يلتزم بذلك، بل قال إن الأمر يبحث في فترة آخر السنة، وبعد الانتهاء من التدقيق الجنائي.
وهناك أيضاً حاجة لفهم الموقف الدولي من هذه الخطوة. وثمة مؤشرات تفيد بأن ألمانيا وفرنسا لا تمانعان إقالة سلامة، فيما يبقى السؤال عن الموقف الأميركي. وبعض المعارضة الداخلية هنا يعتبرها عون إشعاراً قضائياً لا علاقة للسياسة به. وهذا واقع لا بد من التعاطي معه. وفي حال حصل ذلك، فإن ميقاتي يكون متحرراً منه، فيعبر عن أسفه ويقول إنه ليس صاحب القرار في ذلك، بل القضاء.