البندورة بـ 15 ألف والخيار 12 ألف… “الحق كلّو عالدولار”

مع تسارع الانهيار الإقتصادي، دخل القطاع الزراعي في دوّامة، عجز فيها عن تأمين الأمن الغذائيّ للمواطنين. فمن جهة يحاول الاستمرار رغم الصعوبات التي يواجهها من شحّ في المازوت ونقص في المستلزمات الزراعية وغلاء أسعارها، كما ويعاني صعوبة في تصريف المنتوجات الزراعية بعدما ود٘ع أكثر من نصف الشعب اللبناني حياة الرفاهية وأصبح الإنفاق منحصراً فقط بشراء الأساسيات. فهل أصبحت فعلاً الخضار والفاكهة من الكماليات؟

 

فوضى عارمة تعمّ البلاد، حيث نرى أن جميع أشكال الأمن تتهاوى، والأمن الغذائي أولها وأخطرها في ظل غياب أي حلول ملموسة للحدّ من الفقر والجوع.

 

وكانت قد حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من انعدام الأمن الغذائي في لبنان في ظل تفاقم الأزمتين السياسية والمالية وسير البلاد نحو المزيد من الفقر والجوع، كما وأكدت الأمم المتحدة أن نصف سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

 

سببان أساسيان أديا الى تراجع الطلب على المنتجات الزراعية وهما: انهيار القدرة الشرائية للمواطنين وتفاقم أزمة المحروقات ما أدى الى ارتفاع اسعارها. ففي جولة على محال الخضار والفاكهة، نرى أن أسعار بعض السلع العادية أصبحت خيالية، فهي ليست مستوردة أو في خانة السلع النادرة، إنما كلها محلية، فعلى سبيل المثال لا يقل سعر الكيلوغرام الواحد من البندورة عن الـ 15000 ليرة والخيار عن الـ 12000 ليرة والموز عن الـ 15000 ليرة، كما الحامض (9000 ليرة) والبطاطا (8000 ليرة).

 

بين المزارع والتاجر وبائع المفرق وغياب تام للرقابة من قبل الدولة، نرى المواطن أصبح رهينة الإحتكار والفلتان، مندهشاً من استمرار ارتفاع الأسعار بشكل جنوني بدون أي تبرير.

 

فبالنسبة الى بعض التجار “الحق كلو على الدولار فهو طاير طاير” واَخرون يعتبرون أن المشكلة تبدأ من الكلفة التي أصبحت عالية جداً، وغيرهم يرى أن ارتفاع الأسعار يعود لإنخفاض العرض وزيادة الطلب على المنتجات الزراعية. ويؤكد عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عمران فخري “أن السبب الأساسي وراء ارتفاع الأسعار في الفترة الاخيرة هو ارتفاع أسعار المحروقات وبشكل خاص المازوت، اضافة الى الكلفة التي أصبحت عالية جداً. فإذا اعتبرنا أن معدل سعر كيلو البندورة هو 15000 ليرة، فهو عبارة عن أقل من دولار واحد، فالمعادلة لم تتغير إنما قدرة المستهلك على شرائها تراجعت، والأسعار ترتفع بشكل جنوني بالتوازي مع ارتفاع سعر الصرف، وتُقل٘ص بذلك ربح المزارعين مع ارتفاع تكاليف الزراعة والنقل والطاقة”.

 

وبدوره أشار رئيس تجمّع مزارعي البقاع ابراهيم ترشيشي الى أن “عدم قدرة المزارع على الحصول على مادة المازوت بأسعارها الطبيعية سيؤدي إلى هروب المزارعين من القطاع، ما يفسر وجود نقص حاد في المنتجات الزراعية الموز٘عة على الأسواق، إذاً نحن أمام طلب يفوق العرض، حيث لا يُعرض في السوق أكثر من 30% من الإنتاج الزراعي، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى ارتفاع الأسعار”.

 

ويصف ترشيشي مادة المازوت “بالمادة الحيوية والأساسية للقطاع الزراعي وهي مثل الدم في جسد الإنسان، وأثّر فقدانها على عمل المزارع، فهي أساسية لعمليات الري واستخراج المياه، وتبريد الإنتاج لتصديره الى الخارج بالإضافة الى عملية نقل المنتوجات الى الأسواق والمرفأ. كما وتبقى مشكلة الكهرباء أساسية وخاصة في البقاع، لأنه عندما تنحلّ مشكلة الكهرباء، يمكننا تخفيف الاستهلاك من مادة المازوت”.

 

أما ومع تشكيل الحكومة الجديدة، بدأ ظهور بوادر إيجابية في ما يتعلق بموضوع المحروقات، ويرى ترشيشي “أن رفع الدعم عن المحروقات أصبح اليوم ضرورياً، ليمنع بذلك احتكار المادة وبيعها بأسعار باهظة للمزارعين، لأن المزارع لم يتمكن يوماً من شراء المازوت المدعوم على السعر الرسمي، ما أدى الى هروب عدد كبير من المزارعين، فهناك فئة من المزارعين هربت وأخرى قامت بتلف مزروعاتها ولم تكمل الموسم، أما الفئة الثالثة، وهي الأقلية، قررت الصمود ومتابعة الزراعة، لذلك نرى اليوم أن الإنتاج انخفض بشكل كبير”. ولفت إلى أن “تلاعب سعر الدولار صعوداً ونزولاً يهدد القطاع، فعندما وصل الدولار الى 15000 ليرة فور تشكيل الحكومة الجديدة، لاحظنا ارتياحاً في الأسواق، أما اليوم ومع معاودة ارتفاع الدولار الذي حلق الى ما فوق الـ20000 ليرة أحدث زعزعة وارتباكاً من جديد وبات يهدد استمرارية عمل المزارع”.

 

وبدوره اعتبر فخري “إن الأزمة الاقتصاديّة رمت بثقلها على الأمن الغذائي، فتوفر الغذاء من جهة وقدرة الفرد على تأمينه من جهة أخرى ليس بالسهل تحقيقه”، مشيراً الى أن “القدرة الشرائية للمواطن في لبنان تراجعت منذ بدء الأزمة المالية التي جعلت الكثير من العائلات تضطر إلى الاستغناء عن السلع الأساسية واستبدالها بأخرى، كما وانحصار المساحات المزروعة تغرق المواطن اللبناني بين نارين: الأولى تتمثل بنقص حاد في المنتوجات الزراعية المحلية، والثانية بارتفاع كلفة الاستيراد من الخارج ما يؤدي الى نقص كبير في المنتجات الزراعية الأساسية”.

 

لذا يناشد المزارعون الحكومة الجديدة إيجاد حلول ومساعداتهم ليتمكن القطاع من الوقوف على قدميه من جديد. ويقول ترشيشي في هذا السياق: “المطلوب من الحكومة الجديدة التصرف بروح التعاون لإيجاد حلول ووضع خط٘ة ثابتة، وإلا ستصل الأمور الى المزيد من التعقيد والتراجع وعدم الإستقرار، ويجب أن يكون موضوع تأمين الكهرباء أولوية لديها مع المباشرة في التنفيذ، وليس فقط “حبراً على ورق”، لافتاً الى أنه “حتى اليوم لم نتمكن من تحقيق الهدف المطلوب، وطالما ما زال لبنان يعتمد على المساعدات والقروض الخارجية، من المستحيل أن يصبح بلداً متقدماً قادراً على تحقيق إكتفائه الذاتي”.

 

كما ويناشد المزارعون الحكومة الجديدة مساعدتهم في تصريف التفاح اللبناني، فهم قلقون على مصير هذا الموسم الذي كلفهم الكثير من ناحية غلاء البذور والأسمدة واليد العاملة إضافة الى عدم امكانية تبريد هذه المنتجات بسبب انقطاع الكهرباء والنقص في مادة المازوت.

 

جويل الفغالي- نداء الوطن