مسيحيون مهدّدون بالإنقراض…

اعتقد مسيحيو منطقة “وادي الخابور” المستمد اسمه من نهر بالشمال السوري، أن معاناتهم انتهت بسحق التنظيم “الداعشي” المتطرف، لكن يبدو أنهم كانوا مخطئين، فبعد 3 سنوات من سقوطه، يتم قصفهم من جديد، إلى درجة أن 32 قرية مسيحية ممتدة على ضفتي النهر، أصبحت مهجورة، ولم يبق فيها إلا عدد قليل من رجال بمنتصف العمر، يحملون رشاشات “كلاشنيكوف” قديمة، فيما تبدو على منازلهم آثار القصف بوضوح، من مهاجم مختلف هذه المرة، هي تركيا العضو بحلف الناتو، لذلك أصبحت كنائسهم مغلقة. الكهنة رحلوا، والشوارع فارغة.

معظم الوارد بالفقرة أعلاه، هي من تحقيق ميداني نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية اليوم الاثنين، وطالعته “العربية.نت” في موقعها، ملخصه أن تركيا تشن حربا في الشمال الشرقي السوري “غير مفهومة تقريبا للعالم الخارجي بأسره، لكنها حظيت بطريقة ما بدعم دونالد ترمب حين كان رئيسا للولايات المتحدة” على حد ما كتب مراسل الصحيفة Richard Spencer الذي تحدث إلى سوري كان يقف مع ابن أخيه عند مدخل قريتي “تل طويل” الملتصقة تقريبا بقرية “أم وغفة” على ضفة النهر، فذكر أندريوس زيابدو، البالغ 60 سنة، أن القريتين أصبحتا خاليتين من النساء والأطفال “فقد نقلناهم بعيدا” كما قال.

 

السبب أن “تل طويل” تعرضت الشهر الماضي، قرب كنيستها بشكل خاص، لقصف متكرر من قوات تركية قريبة 3 كيلومترات تقريبا، فسقطت 5 قذائف عليها، منها واحدة أصابت منزل جار له، كنيته أبو كارلوس “كان نائما مع زوجته وأطفاله حين سقطت فوقهم مباشرة، لكنهم خرجوا سالمين من أي أذى” مع ذلك كان أبو كارلوس آخر من غادر وعائلته القرى التي لم يبق فيها سوى رجال 7 عائلات فقط للدفاع عنها، من أصل سكان كانوا 1300 تقريبا قبل عقد من الزمن، فيما نجد من فيديو تعرضه “العربية.نت” أدناه، معاناة السكان المسيحيين في قرية قريبة من “تل طويل” بريف محافظة الحسكة، هي “تل تمر” التي نزح 95% من سكانها تقريبا.

ورد في تحقيق الصحيفة أيضا، أن الطوائف المسيحية بسوريا والعراق، نجت من مذابح طائفية شاملة، ارتكبها النظام السوري وتنظيم “داعش” وقوى أخرى في الدولتين، لكنها لا تزال تشعر بالتهديد نفسه، وهي طوائف معظمها من أصل آشوري، يتحدث أبناؤها إحدى لهجات الآرامية، لغة السيد المسيح، ويتبعون طقوسا مستقلة عن الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكان 20 ألفا منهم أصبحوا في هذه المنطقة لاجئين بالفعل زمن المذابح العثمانية للمسيحيين في الحرب العالمية الأولى، ثم جاءهم التهديد حاليا من تركيا.

وحدث في 2015 ما جعل التاريخ يكرر نفسه، حين أحبط قصف أميركي محاولات “داعشية” لغزو مدينة “كوباني” الكردية، الواقعة على الحدود مع تركيا، فحول “الدواعش” انتباههم شرقا، واقتحموا مدينتي القامشلي والحسكة السوريتين، مارين بقرى “وادي الخابور” في طريقهم، واستولوا على 9 منها في غارات ليلية، انتهت باحتجازهم 230 من سكانها، وحصولهم على مئات آلاف الدولارات فدية لإطلاق سراح كل منهم.

وكانت الطوائف المسيحية تشعر بخطر الانقراض، حتى في أوقات السلم، حيث كانت بعض الدول الغربية تعطي الأولوية لأبنائها في منح التأشيرات، وهو ما زاد مع بداية الصراعين السوري والعراقي، حتى أصبح للآشوريين جاليات كبيرة في كندا والسويد وأستراليا والولايات المتحدة، ثم أدى غزو “داعش” لمناطق العيش المسيحي بالعراق، ومن بعده التركي في 2019 للشمال السوري، إلى زيادة الرحيل عن تلك المناطق، فأصبحت تلك الطوائف مهددة بالانقراض من دولة مجاورة هذه المرة، هي تركيا التي مضت قواتها منذ عامين إلى الشمال الشرقي السوري بعد أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ومن دون إنذار مسبق، أنه سيسحب القوات الأميركية منها، وفاء لتعهد قطعه أثناء حملته الانتخابية.

وكانت الولايات المتحدة تدعم “قوات سوريا الديمقراطية” أو “قسد” المتحالفة مع مجموعات عربية وكردية محلية تهيمن عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية، والمعروفة بأحرف YPG اختصارا، وهي فرع سوري لحزب العمال الكردستاني، خاض حرب عصابات طويلة، ولم يفلح بالحصول على الحكم الذاتي بالجنوب الشرقي التركي، وفقا لما قرأت “العربية.نت” بسيرته، فيما اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رحيل الأميركيين كضوء أخضر لإنشاء منطقة سورية عازلة، فانقضت قواته عليها.

وتلت الانقضاض التركي حرب دموية صغيرة، وافق ترمب بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، على إبقاء 1000 جندي أميركي بدل الانسحاب الكامل، فيما استمر وجود الأتراك الذين يستأنفون من حين لآخر قصف “قسد” لتذكيرها بوجودهم، ووسط هذه المعمعة حاولت المجتمعات المسيحية الابتعاد عن الحرب ما أمكن، لكنها لم تستطع، فشكلت ميليشيات صغيرة للقتال إلى جانب “قسد” والأكراد، وبذلك أصبحت ضمن خط النار التركي، لذلك فإن “داعش” وتركيا، هما للطوائف المسيحية وجهان لعملة واحدة.