عندما يتحوّل الشعب اللبناني حقل اختبار بين القيادات السياسية والمواقع الوظيفية المالية، ترهق اعصابه وتفقده صوابه، نتيجة خلافات وحسابات مصلحية وشخصية، حينها يصبح الترحّم على مصيره من اوجب الواجبات.
فالقرار الذي اصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تحت جنح الظلام امس الاول، له مقدّماته ودوافعه الانفعالية الشخصية، ويمكن وصفه انه “ليس رمانة انما قلوب مليانة”، ولم يغب عنه تنسيق سلامة مع المنظومة السياسية الحامية له.
فوفق ما علمت “نداء الوطن” من مصدر واسع الاطلاع انه في “اجتماع المجلس الاعلى للدفاع الذي عقد امس الاول ودُعي سلامة الى حضوره، عند بدء مناقشة الوضع المالي والاقتصادي وفقدان الاعتمادات لمواد اساسية، قال رئيس الجمهورية ميشال عون للحاكم: تفضّل ماذا لديك؟، فأجاب الحاكم: “لقد وصلنا الى خط الخطر الشديد في المس بالاحتياطي الالزامي من العملة الصعبة ولم يعد بمقدوري فتح اعتمادات جديدة الا بقانون يقرّه مجلس النواب”، فسأله عون: “هل لديك شيء آخر لتقوله”؟ فأجاب الحاكم “لا”، فطلب منه عون مغادرة الاجتماع”
ويضيف المصدر: “الحديث بين عون وسلامة كان حاداً ومرتفعاً من قبل رئيس الجمهورية، ويبدو ان سلامة اراد الردّ على هذا الاسلوب المهين في التخاطب معه، بإصدار قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي اصاب اللبنانيين بحالة من الصدمة والذهول، فسارع عون صباح امس الى استدعاء سلامة الذي ابلغ المتصلين به في القصر انه يستطيع الحضور الساعة الثانية عشرة ظهراً، وفي هذا التوقيت التأم الاجتماع الوزاري والمالي، الا ان سلامة تأخّر عن الحضور نصف ساعة، ولدى دخوله بدا على رئيس الجمهورية غضب شديد ولم يتأخر في توجيه كلام شديد اللهجة الى الحاكم الذي اصرّ في خلال الاجتماع على انه لا يستطيع فتح اعتمادات بلا قانون، بينما شدّد عون على ضرورة العودة عن قرار رفع الدعم فوراً وبلا ابطاء والتزام قرار السلطة الاجرائية، وانتهى الاجتماع الى اللاقرار والدخول في مرحلة انتظار ما اذا كان سلامة سيستجيب لما طلبه رئيس الجمهورية”.
المعلومات الرسمية
اما في المعلومات الرسمية فجاء ان عون ترأس امس اجتماعاً في قصر بعبدا، حضره وزير المال غازي وزني، ووزير الطاقة والمياه ريمون غجر، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خصص للبحث في قرار حاكم المصرف المركزي الذي اتخذه ليل أمس الاول لرفع الدعم عن المحروقات، والذي أكده امس من دون طرح أي بدائل. وحضر الاجتماع الوزير السابق سليم جريصاتي، والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير.
في مستهل الاجتماع، شدّد عون على ان هذا القرار له تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة تنعكس على الصعد كافة، لا سيما المعيشية منها وحاجات المواطنين اليومية، لافتاً إلى أن المجلس الأعلى للدفاع لم يتخذ البارحة أي قرار يتعلق برفع الدعم الذي هو أصلاً خارج اختصاصه
وبعد المداولات التي ركزت على قانون البطاقة التمويلية واسبابه الموجبة التي تربط رفع الدعم بإصدار هذه البطاقة، وكذلك بالموافقات الاستثنائية عن مجلس الوزراء التي اجازت لمصرف لبنان استعمال الاحتياطي الالزامي لفتح اعتمادات لشراء المحروقات ومشتقاتها على أن تسدد على سعر 3900 ليرة للدولار الواحد، بدلاً من 1500 ليرة، طالب عون الحاكم سلامة التقيد بهذه النصوص في أي اجراء يتخذه وبعد التنسيق مع السلطة الإجرائية التي ناط بها الدستور وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات.
من جهة أخرى، طلب عون من الوزير غجر ضبط الكميات الموزعة من المحروقات وتلك المخزنة لعدم التلاعب في أسعارها واحتكارها.