عودة: عبادة الزعماء قبولٌ بالعبودية.. ونأمل تشكيل حكومة توقف الموت الزاحف

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.

وقال في عظته: “كثيرا ما نسمع عن أناس يتعاملون مع الشيطان، أو حتى يعبدونه ويقربون له الذبائح الحيوانية، أو حتى البشرية أحيانا. وهناك أيضا من يشجع التعامل مع الشيطان من خلال الشعوذة، أو تشجيع المتنبئين الذين يخرجون كل فترة بأخبار جديدة ويزرعون الرعب في النفوس بدل الطمأنينة. حتى عبادة الزعماء هي نوع من الوثنية لأنها قبول بالعبودية للمخلوق بدل الخالق”.

 

وتابع عودة: “إن انفصال الإنسان عن الله يتركه ضائعا وسط أخطار كثيرة. يتأرجح في الفراغ، ويرغب في إيجاد سند يتكئ عليه. يشغله المستقبل المجهول بشدة، كما تشغله مشكلة المرض والألم والخوف من قوى الظلام. في الوقت نفسه، في غياب الله، يشعر أن إرضاء أهوائه هو جمال الحياة الوحيد. فاللذة والمال، والقوة والتسلط على الآخرين هي كلها القوى المحركة لنشاطاته، بيد أن هذه الأمور كلها ملوثة بسم الريبة في اقتنائها وعبور فترة التمتع بها سريعا. والشيطان، كفكر معاد لله، يعد الإنسان باكتساب هذه المتع المخالفة للناموس، وبضمان استمرارها، وكم لدينا أمثلة في بلدنا، يسيرون بهدي الشيطان، ظانين أن التمسك بالمال والعروش والسلطة دائم لهم فقط. من لم يتدرب على النظر إلى حياته من منظار جهاده الشخصي وحريته، تضلله وعود الشيطان بسهولة، لأنه يحب الحلول السريعة والمؤقتة، على مثال كل الحلول التي شهدناها في هذا البلد”.

 

وأردف: “إنجيل اليوم يظهر لنا جليا مدى جنون الشيطان المدمر، كما يدلنا على ضعف الشيطان أمام المسيح. فالشيطان لا يحدد مستقبل الإنسان، ولا يعرفه، حتى إنه لا يعرف مستقبله الشخصي، لأنه لو عرف أن الخنازير ستقفز في المياه وتموت، لما طلب الإنتقال إليها. محبة المسيح هي التي تحد من حرية الشياطين المدمرة، وقد سمح لها الرب بالدخول في الخنازير ليدل على جنونها المدمر. سمعنا في الإنجيل: “وإذا بقطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر ومات في المياه”. إن رعاية الخنازير كانت مخالفة للناموس، وقد حظرتها الشريعة اليهودية، لكن الخنازير كانت بيئة تحبها الشياطين، إلا أنها احتاجت إلى إذن المسيح لتمكث فيها. إذا، ليس ممكنا أن يجد الإنسان في الشياطين أمانا ولا ثباتا، ولا شفاء أو معرفة المستقبل، لأنها تضلله بالتخيلات، تماما كما يفعل السياسيون في زمن الإنتخابات التي باتت على الأبواب. يقطعون وعودا واهية، ولو صدقوا في جزء بسيط منها لما آلت الأمور إلى ما وصلت إليه في هذه الأيام. الشياطين لا تشفي ولا تحل المشاكل، بل مشيئتها هي الدمار، وعندما تعطي شيئا، يكون هدفها إحداث أذية كبرى. لهذا، بعض الذين يمنحون سلطة، ربما تكون سلطتهم بابا لخراب ضخم، لا لإصلاح عظيم. لذلك، على كل من يحصل على سلطة، من أي نوع، أن يسأل نفسه إن كانت من الله أو من الشيطان”.

 

أضاف: “مسيحيون كثيرون يعيشون مسيحية يسيطر عليها حضور الشياطين المرعب، ويبعدون خوف الله السلامي من حياتهم، منجرين وراء الخوف المقلق من الشياطين. الحقيقة أنهم يسقطون، بلا وعي، في الإيمان بمبدأين، على مثال هرطقة قديمة تدعى “المانوية”. يرون الشيطان من جهة كإله، هو إله الشر، والثالوث القدوس من جهة ثانية كإله الخير. إلا أن الشياطين مخلوقات ضعيفة وفاسدة، لا تقوى إطلاقا على الذين يعيشون وصايا الله ويلتصقون به. المجنونان، في إنجيل اليوم، إلتصقا بالعيش بين القبور، حيث الظلام والرائحة النتنة، فيئسا وأصبحت نفساهما مسرحا تلعب فيه الشياطين كما تريد.
يقول الرب يسوع: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (متى 11: 28). هذا الكلام يعني أن الله حاضر في أوقات الألم والمصاعب والشدائد، ينتظر منا أن ندعوه ليحمل عنا آلامنا، لا أن نحاسبه على وجودها، ونلقي أنفسنا في أحضان الشياطين. من يفهم العذاب يدرك المعنى العميق للحرية، حرية أن يقبل حضور الله فيه، فيلقي عليه كل ألم وتعب ووجع، عوض أن يصارع وحيدا ويستقر في القلق واليأس.
“ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى ههنا قبل الزمان لتعذبنا؟” هذا ما تفوه به المجنونان، وهو لسان حال كل إنسان يشعر بالوحدة، وبأن عذابه يفوق عذابات أهل الأرض. قضية العذاب والألم قضية وجودية تطالنا في صميم حياتنا، وتشكل للمؤمن نقطة تساؤل حول علاقته بالله، وموقف الله من عذابات المؤمن. لماذا يصمت الله في أوان الشدة؟ ولماذا يسمح بعذاب محبيه؟”.

 

وقال: “غدا تبدأ استشارات نيابية نأمل أن يسمى على أثرها رئيس يكلف تشكيل حكومة بأسرع وقت، تتولى وقف الموت الزاحف إلى حياة اللبنانيين. لقد أدى التناحر السياسي إلى خنق البلد ونحر المواطنين، وقد حان وقت العمل الجدي لوقف الكارثة. إن التعامي عن الحقيقة ودفن الرأس في الرمال جبن. من الضروري جدا تشكيل حكومة بالسرعة القصوى، لكي تبدأ بالإصلاحات الضرورية جدا، والتي طال انتظارها، من أجل تحقيق بعض الإستقرار السياسي والإقتصادي، ومن أجل إعطاء إشارة إيجابية إلى المجتمع الدولي الذي ينتظر بدوره هذه الإشارة ليساعدنا. إن دول العالم تستشعر الخطر المحدق بنا، إلا أهل البيت الذين يتلهون بخلافاتهم ومصالحهم، ضاربين عرض الحائط مصلحة البلد وأهله. منذ اندلاع الثورة ثم مصادرتها والإلتفاف على مطالبها، لم نشهد عملا جادا أو نية صادقة من أجل كبح الإنهيار. سنتان ضاعتا من عمر اللبنانيين وقبلها سنوات، والأوضاع تتراجع، والمشاكل الحياتية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية تتضاعف، وذوو السلطة في عالم آخر، لا يبالون بآلام اللبنانيين وأنينهم، بل يمعنون في خنقهم وإذلالهم وإفقارهم وتجويعهم. رغم الأزمة لم نشهد تغييرا في الرؤية أو النهج. البلد غارق في الظلام والفقر والمرض ولا من يبالي. ألا يدركون أن النار التي ستأكل البلد ستحرقهم وسيكونون من ضحاياها؟”.