الدواء ما بعد انتهاء الدعم: إيه في حلول! راجانا حمية

كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:

 

في ظلّ توقف صحة اللبنانيين على قرارات حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يصبح من الواجب التساؤل عن دور المعنيين في ملف الدواء للبحث عن مخرج يُعفي من الوقوف على باب «المركزي»، خصوصاً أن انتهاء الدعم لا يعني أن لا خيارات أخرى يمكن الأخذ بها.

 

يُجمع المعنيون بملف الدواء على أن لا دواء في السوق بعد شهرٍ من اليوم. وليست هذه خلاصة مبالغاً فيها، إذا ما أخذنا في الاعتبار انقطاع كثير من الأدوية، بينها عشرات أدوية أمراض السرطان، ومئات أدوية الأمراض المزمنة، وغيرها مما يُصنّف ضمن خانة الـotc، والتي بات معظمها خارج الخدمة أو يُباع بـ «الظرف».

 

صحيح أن مصادر وزارة الصحة ألمحت إلى أن ثمّة اتفاقاً مع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، على استمرار الدعم لاستيراد كل الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد المستخدمة في المختبرات، إلا أن حاكم «المركزي» ربط القرار النهائي بموافقة المجلس المركزي للمصرف، في جلسته اليوم، على استيراد الأدوية وفق سعر الصرف الرسمي، واعتماد «آلية تنسيقية» تقضي بحصول المستوردين على موافقة مسبقة من مكتب وزير الصحة، تُعطى بحسب حاجة السوق، وتراعي ما هو موجود في «ستوك» الشركات المستوردة والمستودعات.

لكن، إلى الآن، «لا فول قبل أن يصير بالمكيول». وبما أن الاتفاق لا يزال حتى اللحظة وعداً، فإن مفاعيل انقطاع الأدوية بعد الشهر المقبل لا تزال أمراً واقعاً. وما يعزّز هذا الخوف هو الجدل المستمر ما بين الوزارة و«المركزي»، خصوصاً لناحية تعنّت الأخير وامتناعه عن صرف قيمة فواتير الأدوية التي وصلت إلى لبنان قبل إقرار الآلية الجديدة، والموجودة الآن في المستودعات. وهذا «ليس مشجّعاً»، على ما تقول مصادر أخرى في وزارة الصحة.

ففي ظل هذا الواقع، ومع قرب الوصول إلى نهاية «قصة الدعم»، تكبر الأسئلة: فماذا يمكن أن يحصل بعد ذلك؟ ما هي السيناريوهات أو الخيارات المتاحة التي يفترض بوزارة الصحة أن تمنع بموجبها حصول الكارثة؟

 

مشكلة الدواء في لبنان أنها «ليست مشكلة آنية، وإنما ممأسسة»، بحسب مصادر الوزارة. وهي تبدأ من «استلشاء» الدولة في دعم الصناعة الوطنية وتركها «الشغل» للشركات الخاصة. ومن تبعات هذا الأمر أن الأمن الدوائي بات مكشوفاً، إذ أن 97% من الأدوية المستهلكة في السوق مستوردة. أما الحديث اليوم عن دعم الصناعة الوطنية فليس مسنوداً حتى الآن بأي خطة، والمتوفر فقط هو دعم المواد الأولية التي تدخل في صناعة الدواء، «وهذا غير كافٍ، خصوصاً أن الأكلاف الأخرى من تعليب وكرتون وورق ومحروقات وغيرها تفوق بقيمتها المواد المدعومة «ج». يضاف إلى ذلك أن غالبية الصناديق الضامنة لا تلحظ في مناقصاتها حصة للصناعة الوطنية باستثناء وزارة الصحة العامة التي تخصص 10% من المناقصات لها.

 

مع ذلك، لا يعني الأمر أن لا حلول أو بدائل. بحسب المصادر، «هناك أكثر من خيار أمام وزارة الصحة تؤمّن استمرارية الدواء على المديين القصير والطويل. البطاقة الدوائية التي أعلن حسن عن قرب إطلاقها هي أحد الخيارات الأساسية. إذ أن تطبيقها يؤدي إلى ترشيد صرف الأدوية تحت إشرافٍ طبي من جهة ومنع الاستعمال العشوائي للأدوية من جهة أخرى، وهي يُفترض أن تكون موصولة ببرامج إلكترونية تتيح تتبّع الدواء، ما ينعكس على قيمة الفاتورة الدوائية. وتخزّن هذه البطاقة معلومات عن المريض وأدويته المزمنة، بحيث «لا يستطيع صرف أدوية تتعدى ما هو مسموح له». أما الجزء الآخر من «المهمة»، فهو التخفيف من الأكلاف، إذ أنها «ستكون بطاقة بأدوية الجينيريك لا البراند».

وإلى تلك البطاقة التي ستعلن عنها الوزارة في الأيام المقبلة، تُطرح حلول تضعها مصادر الوزارة في خانة «المهمة»، منها إقرار «تسهيلات للموافقة على استيراد سريع للأصناف المفقودة من السوق، وقبول تسجيل أدوية من مصادر متنوّعة لسد النقص». صحيح أنها «ستكون أدوية غير مدعومة، إلا أن أسعارها تنافس البراند المدعوم». يضاف إلى ذلك خيار «دعم كل الأدوية المنتجَة محلياً بسعرها النهائي»، و«إلغاء الأدوية المستوردة من الخارج، والتي تنتج منها المصانع الوطنية صنفين»، إضافة إلى التخفيف من الأدوية «البراند» لمصلحة «أدوية جينيريك تحمل الفعّالية نفسها ولكن بأسعار أقل».

 

 

ويمكن أن يكبر هامش الحلول، من خلال توسيع مروحة الأدوية، بحيث يمكن أن يصبح العلاج في بعض الأحيان مرتكزاً على الفئة العلاجية، وهذا يضمن التنويع في الأدوية. «هذا يعني، مثلاً، أنه في علاج تقرّحات المعدة نذهب إلى مجموع الأدوية التي تؤدي إلى العلاج نفسه». كما قد يكون العلاج مرتكزاً على التركيبة العلمية «بما يفسح المجال أمام أكثر من اسم تجاري مع ضمان الفعّالية». أكثر من ذلك، يمكن أيضاً القيام بخطوة أخرى لا تقلّ أهمية، هي إلزام الأجانب الذين يشترون أدوية من لبنان بدفع فرق سعر الدواء في المطار».

 

 

هذه الطروحات عينة مما يمكن أن تقوم به الوزارة والمعنيون لتجنّب الوقوع، كل مرة، تحت وطأة قرارات المصرف المركزي. فهل تسلك طريقها إلى التنفيذ؟