جاء في وكالة “المركزية”:
قبيل كلمة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بساعات قليلة، كان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يلقي عظة الاحد في الصرح البطريركي متحدّثا بلهجة “وطنية” “لبنانية”، لا “مسيحية”، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”. ففي موقف بعيد كل البعد عن “الفئوية”، اعتبر ان “رؤية الجماعة السياسية تعطي أبشع صورة عن لبنان هي اسطع دليل على افلاسها وعدم اهليتها لحكم الشعب والبلاد”، لافتاً الى أنّ “الشعب كان ينتظر ولادة حكومة، اذ شهد تقاذفاً اعلامياً، الشعب يبحث عن مصيره والجماعة السياسية تبحث عن مصالحها “، مشيراً الى أنّ “المسؤولين يعطّلون تشكيل الحكومة بحجة الصلاحيات، فعن أي صلاحيات تبحثون؟ هل ايجاد فرص عمل والحدّ من الهجرة وتأمين حقوق الشعب من الصلاحيات”؟
للمفارقة، تتابع المصادر، رأس ُالكنيسة المارونية في لبنان، ينظر الى الازمة السياسية الحاصلة والتي تُمعن في اغراق البلاد في جحيم مالي – معيشي – اجتماعي، من زاوية مصلحة الشعب اللبناني ككل، ومن جانب ما يتطلّبه تحقيقُ هذه المصلحة (اي تأليف حكومة)، بينما نرى رئيسَ حزب سياسي، أي النائب باسيل، ينظر الى هذه الازمة من جانب مسيحي ضيّق، حيث يعلن ان النجاح في تشكيل حكومة مفتاحُه احترام دور رئيس الجمهورية المسيحي، في التأليف، وصلاحياتِه في تسمية الوزراء واختيارهم، ما يعني انّه اذا لم يصر الى اعطاء رئيس الجمهورية ما يريد، فإن اي حكومة لن تبصر النور، وبالتالي سيستمر غرق لبنان في دوامة المصائب القاتلة على الصعد كافة.
فهل يمكن ان يكون التيار الوطني، ملكيا اكثر من الملك؟ هل فعلا هناك افتئات على حقوق المسيحيين ودورهم السياسي في البلاد، وبكركي “صامتةٌ” عن هذا الضيم؟! بحسب المصادر، الجوابُ سلبيّ طبعا، وتصويبُ الصرح وسيّده على مسألة التمسّك بالصلاحيات واعتبارها من اشارات “افلاس الجماعة السياسية”، انما هو نتيجة معرفتِه بأن هذا المطلب لا غاية منه الا تحقيق الفريق البرتقالي مصالحَ وغايات خاصة به، وليس الغرض منه الدفاع لا عن مقام الرئاسة الاولى ولا عن الحضور المسيحي على الساحة السياسية… فهل مَن يريد صون هذا الوجود، يضعه في عهدة حزب مسلّح مصنف ارهابيا في اكبر عواصم العالم، ويحوّل المسيحيين الى “اهل ذمّة”، أم يتمسك بمرجعية الدستور وبالدولة القوية، ويلتصق بالصرح البطريركي الذي اسس هذا الكيان، وبما يطالب به من حياد لبنان الى اولوية حصر السلاح في يد الشرعية فقط؟!
على اي حال، رفعُ بكركي غطاءها عن “منطق” العهد السياسيِ – الحكومي، يلتقي في الواقع وموقف القوات اللبنانية وقد اعتبر رئيسها سمير جعجع منذ ايام ان ” مقولة تحصيل حقوق المسيحيين هي الكذبة الجديدة التي يطالعنا بها “التيار الوطني الحر” بعد أكاذيب التحرير وسيادة الدولة اللبنانية ومنع السلاح غير الشرعي، وبعد أكاذيب الإصلاح والتغيير. ان كل المقصود في الوقت الحاضر بكذبة تحصيل حقوق المسيحيين هو تأمين المستقبل السياسي لجبران باسيل ومن معه بعد ان أصدر الشعب حكمه عليه”. كما انه ينسجم مع موقف تيار المردة الذي يعتبر ان باسيل يعرقل لحسابات شخصية وحزبية لا للدفاع عن المسيحيين، والموقف عينُه يتّفق عليه ايضا حزبا الكتائب والوطنيين الاحرار.
الصرح اذا، تماما كما القوى المسيحية الاساسية في البلاد، غير مقتنعة برواية “الحقوق” والصلاحيات، او أقلّه، تعتبر ان الوقت الآن ليس للتمسّك بحقيبة بـ”الزائد او بالناقص” ولا للاصرار على تسمية هذا الوزير او ذاك، بل لتشكيل حكومة انقاذ اليوم قبل الغد، تُخرج اللبنانيين كلّهم، لا المسيحيين، من دوامة الذل والفقر والجوع والمرض، التي يدورون فيها، والتي ان استمرّت، لن تترك مسيحيا ولا مسلما ولا بلدا، ليحكمه المتمسّكون بالحقوق! فهل يستمرّ العهد وحيدا في معركته “الوهمية” هذه، ولو على حساب مستقبل البلاد؟ تختم المصادر.