المحروقات والأدوية بالقطّارة… والتحرّكات غائبة!

كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:

لم تعد مقولة “عايشين من قلّة الموت” تكفي لوصف حال اللبنانيين جرّاء الأزمة التي يعيشون، وتقطّعت معها أوصال الحياة بفقدان الأدوية وعجزهم عن مجاراة الغلاء الفاحش، والإنتظار في طوابير الذلّ أمام محطات الوقود لتأمين المحروقات، والشراء بالقطّارة لسدّ الجوع الذي يتخوّفون من إنتشاره في حال الوصول الى الإرتطام الكبير.

ينتظر الناس بفارغ الصبر انفراج الأزمة ويراهنون على الأجواء الإيجابية التي صدرت أمس بإمكانية تشكيل حكومة ليتنفّسوا الصعداء بعد معاناتهم المتواصلة منذ أشهر والتي وصلت حدّ الإختناق، وضاقت معها سبل عيشهم. يعيشون يومياتهم وكأنها سنون قحط لم تمرّ عليهم أبداً، يفتشون عن أبسط الممكن والمستطاع لتأمين متطلّباتهم اليومية والتي أصبحت بعيدة المنال بفعل إرتفاع سعر صرف الدولار الذي يقترب من حدود الـ 13 ألف ليرة لبنانية، ما إنعكس غلاءً لم يسبق له مثيل، معطوفاً على جشع وطمع التجار من كافة الفئات لجمع الأموال على حساب الجوع والمعاناة.

على أبواب محطات الوقود يتسابق الناس في بعلبك لحجز دور لهم منذ ساعات الصباح الباكر لملء خزّانات سياراتهم وتيسير أمور حياتهم وتنقّلهم إلى اشغالهم، قبل ان تعاود الإقفال بعد ساعات على بدء عملها إيذاناً بإنتهاء المخزون، ما يضعهم أمام أزمة فقدان مادتي البنزين والمازوت والتي يبدأ معها مشوار البحث عن المحطات التي تتوفر فيها هاتان المادتان. تلك الأزمة المستمرة منذ أشهر والمترافقة مع إستمرار عمليات التهريب على عينك يا دولة ويا مواطن. وفيما تتقلّب الأسعار وتزيد عن التسعيرة الرسمية وفق طمع صاحب كل محطة، يواظب عدد قليل من أصحاب المحطات على البيع وفق التسعيرة التي حدّدتها الدولة للصفيحة الواحدة، كذلك خففت إحدى الشركات والتي لها محطات على كافة الأراضي اللبنانية العبء عن أهالي بعلبك والجوار ومعاناتهم مع فقدان المحروقات، من خلال إفتتاح محطة جديدة لها على الطريق الدولية مقابل مستشفى دار الأمل الجامعي، حيث تبيع وفق التسعيرة الرسمية وتفتح أبوابها أمام المواطنين ليل نهار، وتعمل فيها أكثر من عشر ماكينات لتأمين حاجاتهم.

معاناة المواطنين مع البنزين تستمر أيضاً بعد القرار الصادر عن محافظ بعلبك ـ الهرمل والقاضي بعدم السماح للمحطات بتعبئة غالونات بنزين للمواطنين تحت طائلة تسطير محاضر ضبط والإكتفاء فقط بتعبئة السيارات، وذلك حفاظاً على السلامة ومنعاً لتخزين البنزين، حيث يحتاج العديد من اصحاب الورش والمزارعين إلى المادة وتعبئتها لماكينات ومولدات يستعملونها. كذلك يروي أحد مشايخ القرى معاناته في تأمين البنزين لمولد الكهرباء التابع للمسجد والذي يحتاج إلى 30 ليتراً كل اسبوع. فعندما قصد المحطة لم يستطع تعبئة غالونات وإقترح عليه العامل تفويل السيارة وسحب البنزين لاحقاً لمولد المسجد.

رحلة البحث عن المحروقات يلاقيها في بعلبك ـ الهرمل فقدان معظم الأدوية بقصد أو من دون قصد، فتأمين دواء وصفه طبيب لأحد المرضى في مستشفيات بعلبك إستغرق منذ التاسعة صباحاً حتى العاشرة ليلاً وفق ما يقول علي ق. لـ”نداء الوطن”، “وجواب الصيادلة دائماً حاضر: الدوا مقطوع وحتى البديل كمان”، ويشير الى أنه إستطاع تأمين الدواء عبر صديق له معروف بـ”زعرنته”، حيث أعطاه تقرير الطبيب فدخل إحدى الصيدليات التي تعرفه فأعطته الدواء، مستطرداً بـ”أن القوة والزعرنة نحتاج إليها اليوم لتأمين متطلّباتنا، فالعديد من الصيادلة يخبّئ الدواء ويخزّنه، وأنا قصدت الصيدلية التي إشترى منها الصديق الدواء وكان الجواب لي:”مقطوع”.

الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس في بعلبك ـ الهرمل لم تحرّك لهم ساكناً، بالرغم من وصول سعر صرف الدولار إلى معدلات عالية وتخوّف من تصاعده في حال لم تتشكّل حكومة، وفيما كان البعض ينتفض في ساحة المطران على الواقع الإجتماعي ويتظاهر بوجه الحرمان، تراجعت حدّة المطالب وغابت التحرّكات عن الساحات وإكتفى الناشطون بالتغريد على صفحات التواصل الإجتماعي، يقول أحدهم، مضيفاً بـ”أنّ من ارتضى الذلّ على أبواب الصيدليات وأمام المحطات ويكرّر المشهد بشكل يومي لن يتحرّك إنتقاماً لواقعه المزري، ناهيك عن الإنقسام في الساحات والتبعية، فالكل اليوم محسوب على طرف وجهة لها مشروعها وخطابها وأهدافها”.