عودة: أخشى أن تشكّل البطاقة التمويلية رشوة انتخابية
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة قداس أحد السامرية في كاتدرائية القديس جاورجيوس، ورقى خلال القداس الإيبوذياكون مايكل إلى رتبة الشموسية وأعطاه إسم باييسيوس، والشماس سلوان إلى رتبة الكهنوت.
وبعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى عودة عظة قال فيها: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور، سمعنا اليوم عن لقاء الرب يسوع بالمرأة السامرية، التي خصصت لها كنيستنا المقدسة تذكارا في الأحد الثالث بعد الفصح، إن الماء الذي طلبته السامرية هو الروح القدس. في حواره معها، كشف لها المسيح تدريجيا عطية الله. إلتقاها عند بئر يعقوب حيث جلس ليرتاح من السير، فطلب منها ماء قائلا: “أعطيني لأشرب”. إبن الله المتجسد، الإنسان التام، حمل على عاتقه شقاء الإنسان الفاني، فكان يتعب ويجوع ويعطش، كما بكى على صديقه لعازر الرباعي الأيام. لقد سمح للطبيعة البشرية أن تعمل فيه وتظهر خواصها، وطبعا لم يقو عليه لا الجوع ولا العطش أو الحزن، كما أن هذه الخواص لم تفرض عليه حكما، بل أراد المسيح بنفسه أن يعطش ويجوع ويبكي لأنه هو المحبة. المسيح – المحبة تنازل وأخلى ذاته واتخذ جسدنا، وباتحاده بطبيعتنا، حمل الرب كل خواصها وأحزانها على عاتقه”.
أضاف: “الأقوى من الجوع والعطش هو حوار الرب مع تلاميذه بعدما غادرت السامرية إلى المدينة لتخبر أبناء بلدها عن الإعلان الذي نالته. كان المسيح قد سألها ماء، لكن السامرية، المعروفة في تقليدنا باسم “المعظمة في الشهيدات فوتيني”، نسيت أن تعطيه الماء إثر النقاش، لا بل تركت جرتها وسارعت إلى المدينة. حينئذ، طلب التلاميذ من معلمهم، الرب يسوع المسيح، أن يأكل، فأجابهم: “لي طعام آكله لا تعرفونه أنتم”. وتابع: “طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأن أتمم عمله”.
وتابع: “إن إحدى الحقائق المهمة التي يكشفها لنا لقاء المسيح بالسامرية، هو الترابط بين طريقة الحياة والإيمان. فالمؤمن الحقيقي يعبر عن إيمانه من خلال حياته. إذا توقفنا عند نقاط محددة من حوار المسيح مع السامرية، نجد أن المسيح طلب منها ماء، فذكرته هي بعدم جواز مخالطة اليهود للسامريين. اليهود مؤمنون بالناموس، والسامريون مرتدون عنه. لما وجد المسيح نفسه إزاء أرض خصبة، بدأ يلقي بذار كلمته. شرع يحدث السامرية عن الماء الذي يستطيع أن يمنحها إياه، والذي إن شربت منه لن تعطش أبدا. هكذا، إرتقى بذهنها من مياه البئر إلى نعمة الروح القدس”.
وأردف عودة: “يستخدمون الحق واقوال القديسين كي يدينوا الآخر، عوض أن يقرنوا الإيمان والعقيدة بالمحبة الحقيقية، مثلما فعل الرب يسوع، الآتي من شعب اليهود، مع السامرية. لم يكن يحق لهما الإختلاط، لكن الرب أظهر المحبة الأقوى من كل الصعاب. لقد دلتنا المرأة السامرية إلى كيفية الإستنارة والعبور من المعصية إلى الإيمان الحقيقي، والعبادة الحقيقية للثالوث القدوس. لذلك علينا أن نتعلم منها كيف نتضع ونقبل كل نقد بناء يوجه إلينا لمنفعتنا، بدلا من الإنتفاض وكيل الإتهامات والشتائم لمن يحاول مساعدتنا”.
وتابع: “التواضع فضيلة الفضائل، وحسن الإصغاء أيضا فضيلة. ما ينقص معظم اللبنانيين، والمسؤولين بخاصة، هو التواضع العميق، تواضع القلب والفكر، والإصغاء إلى النقد قبل المديح. لقد حاولنا مرارا وتكرارا، حبا بهم وبوطننا، لفت نظرهم إلى مواطن الخلل في حياتنا ومسيرة وطننا ولكن كما يقول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. للأسف، لهم عيون ولا تبصر ولهم آذان ولا تسمع. لو شكلوا حكومة اتخذت الإجراءات الضرورية منذ مدة لما وصلنا إلى هذا القعر. لو حولوا شعاراتهم إلى حقائق، وطبقوا ما ينادون به من محاربة الفساد، والتدقيق الجنائي، وحفظ حقوق المواطنين، والتخلص من الطائفية، وغيرها من الشعارات، لما انهار البلد ويئس المواطن. فالمؤسسات الوطنية إقطاعيات للطوائف، والوزارات حكر على أحزاب، والنزاعات الطائفية ازدادت، والمظاهر المسلحة والسلاح المتفلت والإستعراضات الاستفزازية لا تجد من يقمعها، والفساد ما زال مسيطرا على النفوس والإدارات، والإحتكار تفاقم، والغلاء استفحل، والمحروقات ندرت لأنها تهرب أكثر فأكثر، وأزمة النفايات لم تحل، أما الكهرباء فعوض أن تكون من بديهيات الحياة أصبحت كالبدر تفتقد، لأن الهدر زاد عوض معالجته، والجباية تكاد تكون متوقفة وهي مصدر التمويل الأساسي لمؤسسة الكهرباء، وقد سمعنا عن مليارات متراكمة لم تحاول إدارة الكهرباء حتى المطالبة بها، كما لم تحاول توقيف التعديات على الشبكة ومعاقبة الفاعلين، أو وقف الهدر والسرقة، وجباية المستحقات واستيفاء الديون أو وضع برنامج واضح لصيانة المعامل وزيادة الإنتاج وغيرها من الأمور التي تساهم في تأمين الكهرباء للبنانيين”.
ولفت الى ان “اللبناني لم يعد يصدق أن الدولة لم تكن قادرة على إيجاد الحلول لمشكلة الكهرباء طيلة عقود. أي لغز هو لغز الكهرباء؟ هل هي مهمة مستحيلة أم أن هناك سببا آخر نجهله؟ أين التخطيط والإستشراف؟ أين الإدارة الرشيدة؟ وهل يعاقب الشعب بأكمله بسبب بعض الفاسدين والمعرقلين والسماسرة؟ هل على المواطن أن يبقى ضحية الضغينة والحقد والنكايات، أو قصر النظر والإستهتار وعدم التخطيط، وأن يتأقلم مع كل الأوضاع حتى وإن كانت على حساب راحته وكرامته؟ وهل يوجد في القرن الحادي والعشرين بلد يعيش في الظلمة، ويتكل على المولدات الخاصة، عوض بناء معامل الإنتاج، وحتى إنتاج الطاقة البديلة النظيفة؟ أين حاملو لواء محاربة الفساد؟ أين المحاسبة؟”.
وقال: “نحن بحاجة إلى محاسبة كل فاسد أو مقصر أو متعد. من هنا يبدأ الإصلاح. وقد أصبح ضروريا لأن حياة اللبنانيين أصبحت في خطر. حتى الأدوية لم تعد موجودة، ومرضى السرطان يعانون، كما تعاني المستشفيات من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية وكل ما تستعمله في المختبرات وغرف العمليات. لم يعد بمقدور المستشفيات أن تقوم بواجبها تجاه المواطنين الذين سرقت أموالهم، واستنزفت ودائعهم في دعم سلع تهرب أو تحتكر، ودولتهم عاجزة عن دعم ما هو أساسي لصحتهم، أعني الأدوية والكواشف المخبرية وغيرها من المستلزمات الطبية. أين كان المسؤولون عندما استبيحت خيرات لبنان وأموال اللبنانيين هدرا وسرقة وفسادا؟ وهل صحة اللبنانيين سلعة أو ورقة مساومة؟.بئس ما وصلنا إليه. والآن يعدون المواطنين ببطاقة تمويلية أخشى أن تصرف مما تبقى من ودائعهم، فنكون كمن يلحس المبرد ويتلذذ بطعم دمه، كما أخشى أن تشكل رشوة انتخابية يستعملها السياسيون لغاياتهم. دعاؤنا أن يرأف الله بنا وأن يلهمنا الصبر وطول الأناة، وأن يضع في قلوب من يتولون أمرنا المحبة والتواضع والرحمة، ويمنحهم صحوة الضمير وبعد النظر وحسن التخطيط وخاصة حسن الإصغاء”.
وأضاف عودة: “بعد قليل سوف نصلي معا ونطلب من الروح القدس أن يحل على الشماس سلوان ليصير كاهنا على مذبح الرب العلي، وعلى الإيبوذياكون مايكل ليصير شماسا خادما لكنيسة المسيح المقدسة. الروح القدس الذي سوف يحل عليهما هو نفسه الروح القدس الذي حل على التلاميذ في العنصرة وكرسهم خداما وشهودا له في المسكونة. ألم يقل الرب يسوع لتلاميذه يوم الصعود: “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أعمال 1: 8). مهمة الرسل أن يكونوا شهودا للمسيح في كل أصقاع الأرض. والرسل أقاموا خلفاء لهم، أساقفة وكهنة وشمامسة ليرعوا كنيسة المسيح، بقوة وفعل وحلول الروح القدس. منذ الرسل إلى يومنا هذا، نستدعي الروح القدس لإقامة رعاة للخراف الناطقة في رعية المسيح. للمزمعين أن يشرطنا بعد قليل أقول إن مسؤوليتكما الأساسية هي أن تكونا شاهدين للمسيح في كل لحظة من حياتكما وخدمتكما، ولا فصل بين الحياة الخاصة والخدمة في الكنيسة. ما تعيشانه في حياتكما الخاصة يجب أن يكون انعكاسا لإلتزامكما بالمسيح. الشهادة تكون بالقدوة. بحياتكما ترشدان المؤمنين إلى طريق الملكوت. أنتما تمسكان بالإيمان القويم بابن الله الوحيد. أعكسا هذا الإيمان أعمالا ترشد الكثيرين. يقول الرسول يعقوب: “لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت” (يعقوب 2: 26). الكاهن مسؤول عن كل نفس يرعاها. بعد قليل، وبعد استدعاء الروح القدس على القرابين لتتحول إلى جسد الرب ودمه المقدسين، سوف أضع الحمل، جسد المسيح، بين يدي الكاهن المشرطن جديدا وأقول له: خذ هذه الوديعة واحفظها إلى مجيء ربنا يسوع المسيح، حين أنت مزمع أن تسأل عنها”. تذكر أنك تحمل مسؤولية خلاص كل من أعضاء الكنيسة، فكن على قدر المسؤولية. وأنت أيها المزمع أن تشرطن شماسا، سوف نصلي إلى الرب “امنحه النعمة التي منحتها لاستفانوس أول شهدائك وأول الذين دعوتهم لعمل خدمتك”. إذا، نصلي لكي تكون شهيدا على مثال استفانوس، وأن تكون مستعدا لكل شيء، حتى الرجم، من أجل كلمة الرب والمحافظة على كنيسته وأبنائها. والخادم الأمين يبقى مع أبنائه ولا يتركهم مهما اشتدت الصعاب. لنصل معا من أجل المزمعين أن يشرطنا لكي يؤازرهما الرب في خدمتهما ويكون لديهما “جواب حسن لدى منبر المسيح” في اليوم الأخير، ولكي يرسل فعلة إلى كرمه، “لأن الحصاد كثير وأما الفعلة فقليلون؛ فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده” (متى 9: 37-38)، آمين”.