لا دواء بعد شهرٍ من الآن؟

كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:

لم تعد الإقفالات الموقّتة التي كانت تلجأ إليها المحالّ التجارية مع بداية الأزمة الاقتصادية إجراءً استثنائياً. اليوم، مع تمدّد الأزمة أكثر، تعمّمت التجربة، فباتت كل القطاعات تلجأ الى مثل هذا الإجراء تفادياً للخيار الأصعب. لم تعد محال الألبسة ولا المواد الغذائية استثناء في هذه السياسة التي امتدت لتشمل اليوم قطاع الصحة، من عيادات الأطباء إلى الصيدليات التي يتهيّأ بعض أصحابها للإقفال بين 3 و4 أيام بسبب عجزهم عن تأمين الأدوية للناس.

الأزمة ليست في انقطاع بعض الأدوية بسبب تأخر المعاملات في مصرف لبنان. فقد تخطى القطاع هذه الأزمة التي انتقلت إلى المربع الخطر، مع الوصول إلى حافة الهاوية في المهنة»، على ما يقول نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين، منبهاً الى أنه «بعد شهرٍ من الآن، نحن ذاهبون لفقدان سريع للأدوية وإقفال قسري للصيدليات، إن لم تتوفر خطة بديلة». وهذا يعني أن «الأمن الدوائي للمواطن أصبح على المحك». السبب؟ أن القطاع اليوم في «أزمة تجمع بين عاملين متناقضين، فمن جهة بدك دوا، ومن جهة أخرى ما في مصاري».
أزمة خطة بديلة تستقيل الحكومة فيها اليوم من أداء واجباتها «إذ إن ما يجري هو كباش بين حكومة تريد إبقاء الدعم للدواء من دون خطة وبين مصرف لبنان». أما تبعات تلك الأزمة فهي انقطاع أدوية أساسية، وخصوصاً أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكري وغيرها، إضافة إلى أدوية «الاستهلاك اليومي».

وفي هذا السياق، يشير أحد الصيادلة إلى أن هذه الأدوية باتت توزع «بالعلبة والعلبتين على الصيدلية»، ويعطي مثالاً عن دواءيستخدم لالتهاب الأذن الوسطى وغيرها من أنواع الالتهابات، إذ انقطع اليوم، فيما «الأنواع الوطنية منه توزع حبة حبة على الصيدليات». ثمة أسباب إضافية للانقطاع لا علاقة لها فقط بأزمة المعاملات المتوقفة في مصرف لبنان، ومنها التهافت «غير المسبوق من قبل المواطنين لتخزين بعض الأدوية خوفاً من انقطاعها»، على ما يقول الصيدلي علي عز الدين. أما السبب الآخر، بحسب عز الدين، فهو أن «التسعيرة الجديدة التي تسببت بها أزمة انخفاض سعر صرف الليرة والتي أدت إلى هبوط أسعار بعض الأدوية، ما دفع المستوردين إلى عدم استيرادها كونها لم تعد مربحة». إلى ذلك، تضاف الأدوية «الفرداوية»، أي التي لا بدائل لها، فهذه الأخيرة «عندما تنقطع تحدث بلبلة لعدم وجود بدائل».

المطلوب في عزّ تلك الأزمة، بحسب الأمين، هو إعداد خطة بديلة، وهذا «يقع على عاتق الحكومة القائمة حالياً، ولو كانت ضمن فترة تصريف أعمال، والوزارات المعنية من الصحة إلى العمل إلى الاقتصاد والإعلام ولجنة من الاختصاصيين العلميين لتفادي خسارة الأمن الدوائي»، مشيراً إلى إمكانية الوصول من خلال تلك الخطة إلى ترشيد منطقي وعادل للدواء «بحيث يمكن تخفيض كلفة فاتورة الدواء من دون التأثير على الأمن الدوائي». ولمح هنا إلى «إمكانية تخفيض الفاتورة من مليار دولار إلى 500 مليون دولار، إذ إن هناك قدرة على استبدال أدوية بأدوية أخرى بديلة ورخيصة الثمن ولها الفعالية نفسها، ويمكن أن نوفرها في لبنان من بلدان مرجعية».

من دون ذلك، لا دواء خلال الأشهر المقبلة ولا جهات ضامنة قادرة على الاستمرار. وهذه حقيقة «سنصل إليها»، يقول الأمين حازماً. ولئن كانت خطورة تلك المرحلة تكمن في انهيار الأمن الدوائي، إلا أنها من الناحية الأخيرة، ستفتح الباب على مشكلة أكثر خطورة وهي «فتح السوق لأدوية غير ذات فعالية أو مزورة أو غير ذلك والتي ستسدّ الفراغ الحاصل».