لفت رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى أنّ “هناك أشخاصًا يحيطون برئيس الجمهورية ميشال عون لا يريدون الرئيس المكلف سعد الحريري” رئيساً للحكومة. وفي حديث مع صحيفة “لوريان لو جور”، تطرق جنبلاط إلى أبرز ما دار في لقائه مع عون في 20 آذار الجاري في بعبدا والذي أتى بناءً على طلب الأخير، وكيفية ولادة الطرح الأخير لتشكيل الحكومة وفرص نجاحه.
ورأى جنبلاط أنّ “هناك سببين يرتبطان بالمأزق الحالي، ويتمثلان بضعف العلاقات غير الجيدة بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بالإضافة إلى الإرادة الإيرانية بعدم تخفيف القبضة حول لبنان”.
وردًا على سؤال حول كيفية ولادة فكرة تأليف حكومة تضمّ 24 وزيرًا، قال جنبلاط إنّ “عون كان لطيفًا في اللقاء”، وأنه أبلغه أنّه قدم من تلقاء نفسه وليس وسيطاً، وذكر جنبلاط أنّه قال خلال اللقاء إنّه “يعرف أنّ الرئيس الحريري متمسّك بصيغة حكومية مؤلّفة من 18 وزيرًا، أنّ الحريري هو ممثل السُنّة”، مشيرًا إلى أنّ “عون أبلغه أنّه يفضل تشكيل حكومة من 20 وزيرًا”، وقال جنبلاط: “عندها عرضت عليه صيغة الحكومة المكوّنة من 24 وزيرًا، بحيث يكون لكل تحالف ثمانية وزراء حتى لا يكون لأي جهة ثلث معطل. وأجابني أنّه لن يكون هناك ثلثاً معطلاً، فقلت له أنني لستُ موفدًا من الحريري لكنني سأوفد إليه الوزيرين السابقين غازي العريضي ووائل أبو فاعور لإبلاغه الإجابة, وهذا ما قمت به”.
وفي معرض حديثه للصحيفة، قال جنبلاط إنّ “الحريري لم يكن سعيدًا في البداية واعتقد أنني اضطلعت بهذه المهمة من جانب واحد، ثم أشار إلى أن صيغة الـ24 وزيرًا هي فكرة حزب الله, فأبلغناه أنّ هذه الصيغة تناسب الجميع ولن يكون هناك ثلثا معطلا, ثم هدأ وطلب عدم الكشف عما حصل، فردّ العريضي وأبو فاعور بأنّ هذا غير ممكن ويجب إبلاغ رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهذا ما نقوم به دائمًا حتى لا يحصل أي تقصير ومن أجل تأكيد التنسيق بين الأقطاب الثلاثة الرئيسية، وهذا ما حدث”، وفقًا لجنبلاط.
“لوريان لو جور” سألت جنبلاط عن فرص نجاح هذه الصيغة الحكومية وعمّا يقف بوجه سلوكها مسار التنفيذ، فردّ جنبلاط أنّ “هناك أشخاصًا يحيطون بالرئيس لا يريدون الحريري ويحاولون إيجاد صيغ دستورية بشتّى الوسائل من أجل التخلص منه، فيما لا توجد هكذا صيغة في الدستور، وهذا الأمر لا يمكن أن يسري، كذلك سيؤدي إلى تعطيل إضافيّ فهو ليس مخالفًا للدستور فحسب”.
وردًا على سؤال حول إيلاء جنبلاط أهمية دائمًا للتأثيرات الجيوسياسية، وإذا ما كان يرى أنّ أسباب المأزق الحالي خارجية أو داخلية، أجاب جنبلاط أنّ “الإثنين موجودان فالمعوقات الداخلية موجودة، وهناك نفور من جبران باسيل تجاه الحريري، بعد صداقتهما التي استمرّت ثلاث سنوات، عندما كانا معًا في الحكومة ما قبل الأخيرة. لماذا اختلفا؟ بحال تمكنا من التوصّل إلى توافق، فسنكون حينها قد قطعنا منتصف الطريق، وهذا بالفعل هو الاستنتاج الذي توصل إليه (مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى) باتريك دوريل، الذي تحدث عن الحاجة إلى إيجاد أرضية مشتركة بين الحريري وباسيل. ومن المفارقة أنني سألت عون خلال اللقاء إذا كان بإمكانه فعل أي شيء للتوفيق بينهما، فأجاب: لا أعرف لماذا تشاجرا وعلى ماذا”.
وعن السبب الخارجي، قال جنبلاط: “تُطرح أيضًا الأسئلة حول ما إذا كان المأزق متأثر بعوامل خارجية، خصوصًا بضوء الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 18 آذار الجاري. هذا الأمر صحيح جزئيًا عند النظر إلى حقيقة أن الأميركيين قدّموا فسحة واستأنفوا المفاوضات مع الحوثيين في عمان، في الوقت الذي لا يزال الحوثيين فيه يهاجمون ويواصلون الإعتداءات اليومية ضد أهداف في المملكة العربية السعودية, ولهذا فمن الواضح أنّ طهران في موقع الهجوم أيضًا، كما أنّها تطالب برفع العقوبات من دون شروط مسبقة. كما يجب النظر إلى الإستعراض الكبير الذي جرى تنظيمه نظم قبل ثلاثة أيام ضد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بغداد. انطلاقًا مما تقدّم لا أعتقد أنّ الإيرانيين سيتنازلون عن ثقلهم في لبنان”.
وهل هذا يفسر تحول نصر الله الذي أصبح يريد حكومة تكنو سياسية لا حكومة تكنوقراط، سألت الصحيفة. فردّ جنبلاط بالقول: “فلنتجاوز التفاصيل المرتبطة بشكل الحكومة، سواء تكنوقراط أم لا, إما أنه يريد إعطاء الضوء الأخضر لولادتها أو لا، وبالفعل فقد اختبرنا حكومة تضمّ وزراء يسمون “تكنوقراط” لكن تبينت بعض الإختلالات، والسؤال الذي يُطرح إذا ما كان لدى إيران نية بتخفيف القبضة على لبنان أم لا”.
وعمّا إذا كانت الحركة الديبلوماسية التي شهدتها الساحة في الأيام الأخيرة كفيلة بالتحفيز وبالمساعدة بالخروج من المأزق، ردّ جنبلاط قائلًا: “نعم، أعتقد أنها قد تساعد ولكن هناك عنصران، داخلي وخارجي، ويمكن أن يتمكن السفراء بفك جانب ما، لكن أرى أنّ فرنسا هي الأكثر اهتمامًا بإنقاذ ما تبقى من مبادرتها”.
وردًا على سؤال عن أنّ “التيار الوطني الحر يستمرّ بالتركيز على الجهات الحزبية التي ستسمّي الوزراء، فهل تعتبر هذا عذرًا أم حجة مبررة؟، قال جنبلاط: “يجب أن يتحمّل الجميع المسؤولية في هذا المأزق، ففي البداية وعندما كان الطرفان في مرحلة المحادثات وكانت المفاوضات تسير جيدًا، اقترح الحريري على عون الحصول على حقيبة العدل، إلا أنّه تراجع لاحقًا. ثم توصلا إلى حل وسط يتمثل في إسناد الداخلية لعون الذي سيكلّف بها سهيل عبود (رئيس مجلس القضاء الأعلى) والعدل للحريري على أن يقترح اسمًا يلقى تأييدًا من عون، لكن كل الأمور انقلبت رأسًا على عقب”.
وعمّا إذا كان التعطيل ناجمًا عن حرب “الأنا” بين الحريري وباسيل، قال جنبلاط: “هذا الأمر موجود، لكنني بالتزامن لدي انطباع ملتبس حول هذا الانقطاع بين الطرفين، بأن تكون بعض السفارات قد وضعت شروطًا معينة”.