كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”: في الوقت الذي عادت فيه الحكومة الجديدة إلى طريقة “دقّ الميّ” لحل الأزمة الإقتصادية منتظرةً نتائج مختلفة، تزداد الأزمة النقدية حدة منذرةً بانفجار معيشي وإجتماعي.
في السراي الحكومي يناقش الأشخاص أنفسهم الذين أعدّوا الحلول السابقة للأزمة الإقتصادية طرق الحل ذاتها، منتظرين الخروج بنتائج معاكسة. إذ لن يتم الأخذ بأيٍ من أوراق الحلول التي أُعدت في السابق، بدءاً من ورقة “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” مروراً بورقة بعبدا ولجنة الاقتصاد والتجارة وتوصيات مختلف الاحزاب، وصولاً الى ورقة الحريري. فلقد استُعيض عن هذه الاوراق بالطلب من الوزراء تحضير مقاربتهم الخاصة في هذا المجال وتقديمها في ورقة جديدة، تستثني طلب تدخّل صندوق النقد الدولي للمساعدة، لأن لبنان لم يصل بعد برأيهم الى مرحلة طلب المساعدة الفعلية.
الرواتب الموطّنة… إلى الليرة
خارج السراي الحكومي، الوضع مختلف. المشهد النقدي بدأ يأخذ شكلاً أكثر خطورة، مع تقليص كل المصارف سقف السحب الأسبوعي بالدولار إلى حدود قصوى، وتوقف بعضها نهائياً عن دفع الدولار، مستلهمةً من قول حاكم “المركزي” الشهير بأن “المصارف غير مجبرة على إعطاء الدولارات للزبائن، بل هي مجبرة على إعطاء الليرة”.
لم يكذّب “بلوم بنك”، أحد أعرق وأكبر المصارف اللبنانية، الخبر، إذ أبلغ إحدى الشركات الكبيرة أن فروعه ستمتنع مع بداية شهر شباط عن الدفع بالدولار لأصحاب الرواتب الموطّنة بالعملة الأميركية. أي انها ستدفع الرواتب المعقودة بالدولار بالعملة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات في حين أن سعر الصرف في السوق الثانوية يتجاوز الـ 2200 ليرة لبنانية.
عملياً خسر مئات الموظفين أكثر من 40 في المئة من قيمة رواتبهم بجرّة قلم، ولم يعد للعقد الموقّع بين المؤسسات وعمالها أي قيمة بعدما أصبحت المصارف هي من تحدد عملة الدفع!
الشركة المعنية بالقرار أبلغت موظفيها بقرار المصرف الذي وضعها بين حلّ من اثنين: إما ان تُحَوّل الأموال المقوّمة بالدولار الى الليرة اللبنانية تلقائياً عندما توضع في حساب الموظفين، وإما ان تؤمِّن الشركة أموال الرواتب نقداً بالدولار كي يجري دفعها للموظفين بالعملة الأجنبية”.
“المرجلة”… على الموظفين
هذا الاجراء غير السّويّ الذي لا يعدو كونة “مرجلة” واستقواء على صغار الموظفين يعود، بحسب المستشار المالي د ..غسان شماس، إلى العبء الكبير الذي تتحمّله المصارف جراء دفع المقترضين قروضهم بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، بعد أن يكونوا قد حوّلوا ما يتقاضونه من رواتب بالدولار عند الصرّافين على أساس سعر صرف السوق.
والخوف طبعاً من أن تشجّع هذه الخطوة بقية المصارف على اتّباع التدبير نفسه. فبالنظر إلى تجارب المصارف يلاحظ أنها تتبع بعضها البعض في السرّاء والضرّاء. إنما يرى الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان أن “من الصعب الجزم أن تطبّق كل المصارف هذا القرار. إذ إنه لا توجد في الوقت الحاضر معايير موحّدة في القطاع المصرفي لجهة اتخاذ القرارات، وهذا يتجلّى في اختلاف سقف السحوبات بين البنوك والتشدد في القيود والتحاويل الى الخارج”.
Laissez faire
هذه الفجوة التشريعية التي تستغلها المصارف للاستنساب في تطبيق “الكابيتال كونترول” لن تُردم، وستترك الأمور، بحسب شماس، تسير على مبدأ “laissez faire”، أو “غض النظر” نتيجة عجز المشترع عن تطبيق capital control حقيقي.
وعما إذا كانت “لبننة” الرواتب ستعمم على بقية المصارف، فلا يزال هذا التساؤل يعتريه بعض الإلتباسات، خصوصاً لجهة تعريف “الأموال الطازجة” بالنسبة إلى المصارف. فهل يقبل البنك، على سبيل المثال، أن يحوّل الرواتب بالدولار لموظفي الشركات الأجنبية والمحلية التي تأتي أموالها من الخارج؟ وما هو مصير رواتب الموظفين الذين تمتلك شركاتهم حسابات تغذّى داخلياً بالدولار؟ فهل ستحوّلها المصارف تلقائياً إلى الليرة اللبنانية؟
أسئلة كثيرة عن الإجراءات التي تتّخذها المصارف وجوابها القانوني “لا يحق لها”. إنما على ما يبدو فإن “هذه القرارات تطبّق بحكم الأمر الواقع من دون أي خشية من المحاسبة القانونية والقضائية. فالقضاء يتساهل مع التدابير المصرفية ولن يصدر أحكاماً مؤذية لأكثر من سبب، لعل أهمها الخوف من أن تساهم الاحكام بتقويض القطاع وانهياره”، يقول أبو سليمان.المصدر: نداء الوطن