كتبت كريستال خوري في “أساس ميديا”:
طوى المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك صفحة أساسية من صفحاته بعد قرار البطريرك يوسف العبسي، رئيس المجلس، رفع الغطاء عنه على أثر الصراعات السياسية التي ضربته بفعل الانتخابات المنتظرة لاستكمال تأليف الهيئة التنفيذية ومن ثم اختيار نائب للرئيس. وهو المنصب الذي سبّب الانشقاقات في المجلس بعد ترشّح الوزير السابق سليم جريصاتي، وموجة الاعتراضات التي أثارها ترشّحه.
من الواضح استياء البطريرك الكاثوليكي مما آلت إليه الأمور بين سياسيي طائفته وفاعلياتها، بفعل “اقتتالهم” على منصب يفترض أن يكون منصّة للمساعدة في دعم الطائفة ومعالجة أزماتها، وإذ به يتحوّل إلى ساحة صراع أفرغت المجلس من دوره وشلّت حركته، هو الذي دفع برأس الكنيسة إلى “تعليق” عمل المجلس، بانتظار البحث في صيغ بديلة أو تطويرية تنقذه من مستنقع الخلافات.
الوزير السابق ميشال فرعون قال لـ”أساس” إنّ “استياء البطريرك طبيعي وناتج عن الضغوطات السياسية التي تجاوزت روحية المجلس الأعلى في ضوء السعي لترشيح شخصية هي في قلب الجدل السياسي، وقد نصحنا مسبقاً بعدم ترشيح هذه الشخصية لأنّ صاحبها يفتقد الطابع الوفاقي. وهو وعد بعدم الترشح إذا أثارت هذه الخطوة أجواء سلبية. وهذا فعلاً ما حصل، إذ سجّل العديد من الفاعليات الزحلية اعتراضهم على هذا الترشيح وهدّدوا بتقديم استقالاتهم، ما زاد من حدّة الإنقسام السياسي خلال الأشهر الأخيرة. خصوصاً أنّ هذا الترشيح بدا لأهداف مجهولة من قبل شخص حال دون دعم الكنيسة الكاثوليكية للبطريركية المارونية في مبادرتها لتكريس حياد لبنان في وقت كان المجلس الأعلى رائداً في الدعوة إلى الحياد وفي جعل لبنان مساحة حوارية دولية”.
ولفت إلى أنّ الأجواء الضاغطة الخلافية التي فرضتها الانتخابات أثارت استياء البطريرك وحالت دون الوصول إلى حلول توافقية “ما أدخلنا في حلقة مفرغة زادت من صعوبتها الحملات الإعلامية وتصريحات مستشاري بعض المرشحين التي حملت نوعاً من التحدي الذي زاد الطين بلّة. وقد أفقدت هذه الأجواء الروحية السليمة في المجلس الأعلى، التي يفترض أن يسودها النقاش والتفاهم لا الصراع”.
فرعون الذي تفهّم خطوة البطريرك بتعليقه عمل المجلس من خلال رفع الغطاء الكنسي عنه، اعتبر أنّ هذا “يفتح الباب أمام الكنيسة من بطريرك ومطارنة وفاعليات للتفكير في حلول وصيغة تطويرية للمجلس، خصوصاً أنّ الهيئة التنفيذية المنتهية ولايتها حاولت تعديل النظام الداخلي لكنها لم تتمكن لأسباب باتت معروفة”.
ودعا الوزير السابق إلى “حوار هادىء وتواصل فيما بيننا والكثير من التروي لتهدأ العواصف”، كاشفاً عن “توجّه إلى تطوير صيغة المجلس، أو حلّه للأسف، بسبب ظروف أزمة كورونا والخلاف السياسي المفتعل على قاعدة “إمّا أنا أو العواصف… ولا أحد” المسؤولة عما آلت إليه الأمور، لتكون هذه التجربة عبرة للاستخلاص من دروسها”.
بدوره، يشير الدكتور داوود الصايغ في حديث لـ”أساس” إلى أنّه كان مستاءً جداً مما آلت إليه الأمور وهو كان على تواصل دائم مع البطريرك العبسي: “كوني رافقت مسيرة المجلس الأعلى منذ أيام البطريرك ماكسيموس الخامس حكيم وكنتُ من أنصار إلغاء منصب نائب الرئيس العلماني بعدما تحوّل إلى حلبة صراع سياسي. علماً بأنّ المجلس لم يكن يوماً مصنعاً للزعامات الكاثوليكية ولا لوزراء أو نواب الطائفة ولا قياداتها”.
ولفت إلى أنّ “الخلاف السياسي الذي حصل، لا مبرّر سياسياً له. ولا تقتصر المسؤولية على طرف واحد بل على كل من حوّل المجلس إلى ساحة صراع ومصالح”.
وأكد أنّه أيّد طرح البطريرك برفع الغطاء عن المجلس الأعلى الذي يتبع قانوناً نظام الجمعيات لكن يتمتّع بخصوصية معيّنة نظراً لنظامه المبتكر وتركيبته الفريدة الجامعة بين البطريرك وبين الشخصيات التي يعيّنها الإكليروس وبين تلك المنتخبة، مشيراً إلى أنّ “خطوة البطريرك هي عبارة عن رفع غطاء. لكنّ الربوة (مقرّ البطريركية) لم تعد مقرّ المجلس وهذه نقطة لا بدّ من أخذها بالاعتبار بعد القرار الأخير”.
وكشف أنّ البطريرك بصدد دراسة العديد من المقترحات والتصوّرات للمرحلة المقبلة لكن الأهم، برأي الصايغ “هو أنّ العاصفة انحسرت رغم أنّنا حاولنا العمل على مرشّح توافقي، ومن المفيد الإشارة إلى أنّ كل من شارك في هذا الصراع خسر في النهاية”.