كتب علي عواد في “الاخبار”:
مطلع كانون الأول الماضي، وقبل الإعلان عن النسخة البريطانية المتحوّرة من فيروس كورونا إعلامياً. لاحظ اختصاصيّو العلوم الجزيئية (متخرّجو الجامعة اللبنانية) في مختبرات كل من مستشفى بهمن ومستشفى الرسول الأعظم، «أمراً غريباً» بيّنته في نتائج هذه الفحوصات الـ pcr. إذ إن جيناً واحداً من أصل 3 تابعة للفيروس يجري تتبّعها لتأكيد الإصابة بالفيروس، «اختفى» من نتائج تلك الفحوصات لدى أحد المصابين. إثر ذلك، تواصل هؤلاء مع الباحثين في الجامعة اللبنانية، الدكتور فادي عبد الساتر (علوم بيولوجية) والدكتور قاسم حمزة (علوم جرثومية)، اللذين أوصيا المختبرين بتتبع الحالات المشابهة. وبالفعل، بدأت حالات مشابهة بالظهور وصل عددها إلى 50 إصابة من النسخة المتحوّرة من «كوفيد-19» في كانون الأول الفائت، قبل أن يشهد الأسبوع الأول من الشهر الجاري تصاعداً جنونياً في هذه الحالات.
بعد الإعلان في بريطانيا عن نسخة متحوّرة من فيروس كورونا، في 20 كانون الأول الماضي، ربط الباحثان النتائج التي بين أيديهما بالطفرة البريطانية. لكن، حتى الساعة، لا يمكن البتّ ما إذا كان هذا التحوّر المكتشف في لبنان هو نفسه النسخة البريطانية أم نسخة مختلفة؟ إذ إن معدات تحديد تسلسل شيفرة الفيروس بشكل متكامل (sequencing) غير متوفرة في لبنان سوى لدى مستشفيين جامعيين وجامعة، ولا قدرة استيعابية لدى هذه المختبرات المتوافرة على تحديد تسلسل الفيروس لعدد كبير من المصابين، فضلاً عن الكلفة الباهظة للـ sequencing خارجياً.
يؤكد عبد الساتر لـ«الأخبار» أنه «على يقين» بأن هذه الحالات هي «النسخة البريطانية من كورونا، أو على الأقل سلالة جديدة تتشارك مع السلالة البريطانية بعدد من الطفرات. ويشدّد على أنّ «حالات الإصابة بالسلالة الجديدة لا تختلف عوارضها عن عوارض سابقتها، لكن لها قدرة على الانتشار بشكل أكبر تصل الى 70 في المئة». عبد الساتر وصف نسبة الإصابة بالسلالة الجديدة بـ«المرعبة»، موضحاً أنه في الأول من كانون الثاني الجاري، وصلت نسبة الإصابة بالسلالة الجديدة بين الفحوصات المخبرية اليومية التي أجريت في مختبرَي «بهمن» و«الرسول الأعظم» الى 16 في المئة، وفي الثاني من الشهر الى 20%، وفي 11منه الى 50 في المئة، وبلغت 58 في المئة في 12 من الشهر الجاري! وتم تأكيد ذلك بعدما طوّر عبد الساتر وحمزة بروتوكولاً خاصاً لتقنية PCR، من دون اللجوء الى معدات تحديد تسلسل الفيروس. وبلغ مجموع عيّنات الفحوصات التي اعتمدت 5427 عيّنة أفرزت 1211 حالة إيجابية، منها 475 حالة إصابة بالسلالة الجديدة.
يعرب عبد الساتر عن «خشية كبيرة» مما ستحمله الأيام المقبلة لجهة أرقام الإصابات، لافتاً إلى أن «المشكلة لن تكون في العوارض، بل في قدرة المستشفيات اللبنانية على استيعاب موجة المصابين الآتية لا محالة، كون النسخة الجديدة أسرع انتشاراً.
وبما أن لا قدرة على تحديد تسلسل الفيروس في مجمل المناطق اللبنانية عبر الـ(sequencing)، لتعزيز بيانات عملية الرصد الوبائي، يدعو عبد الساتر الى اعتماد بروتوكول مشابه للذي طوّره وزميله حمزة، وخصوصاً أن بيانات الدراسة هي من مستشفيين فقط، ولا تكفي لتقديم صورة شاملة عما يحدث في بقية المناطق خارج بيروت. يبقى أن هذه الدراسة لا تزال أوّليّة، ويشارك فيها اختصاصيون من متخرجي الجامعة اللبنانية ومن الطلاب الباحثين. إذ لا تزال هناك أسئلة عدة تحتاج الى أجوبة، منها على سبيل المثال: هل هناك اختلاف في نسب الإصابات بين الذكور والإناث وبين الفئات العمرية المختلفة؟