كتبت فيوليت غزال البلعة في “Arab Economic News”: بدا وكأن اللبنانيين لم يهتمّوا بما أشعل بيروت في “السبت الأسود” وما تلاه من صدامات أمس الأحد، كادت تحوّل الثورة في مفاصل معينة إلى أعمال شغب وفوضى. فالودائع في المصارف التي تعاني ضغوطا جمة، هي التي تقضّ مضاجعهم على مستقبل متفلت، وخصوصا في ظل شائعات وتحليلات مظلمة تهوّل على القلقين بقرب “قبرصة الودائع” من دون استناد “التسريبات” إلى أي مسوغ نقدي أو مبرّر تقني، حيث التبرير يقف عند صمت القطاع المصرفي وتعاميم السلطة النقدية وتحركاتها.
أيضا، لم تكن السلطة السياسية حاضرة في “هجمة” بيروت. فالشارع ليس في حسابات مَن “يجهد” لتأليف حكومة حسان دياب المتخصصة بالإنتماء السياسي المقنّع بدل أن تكون فعلا قاطبة الإختصاصيين المستقلين القادرين على إدارة الأزمة ومعالجة التدهور السريع. هذا ما دفع وكالة “فيتش” نهاية الأسبوع الى التلويح بخفض التصنيف الى مرتبة C (الفئة C تتدرج على ثلاث مراحل من سيء إلى أسوأ: CCC ثم CC، فـC) قبل أن تدفعه الى مرتبة RD أي “التعثر المحدود”، لأن “مالية لبنان غير المستقرّة تعني أنه سيتخلّف بطريقة ما عن سداد ديونه. بل من غير المستبعد أن يعمد إلى سيطرة على جزء من الودائع المصرفية للمدخرين على غرار ما حدث في قبرص”. تلويح “فيتش” يلحق بقرار وكالة “ستاندرد أند بورز” خفض التصنيف إلى SD، وهي درجة التعثر أو الكأس المرّة التي جهد لبنان على مدى أعوام لتفاديها تجنبا لتداعياتها.
ليس بعيدا من ذلك، يندرج تراجع أسعار سندات “اليوروبوند” التي تستحقّ في آذار 2020، نتيجة عدم وضوح الرؤية الحكومية لجهة تسديدها في موعدها أو إمكان إرجاء دفعها إلى آجال لاحقة (تأجيل إختياري تعتبره وكالات التصنيف “تخلفا عن السداد”) أو الإلتزام وإلزام المصارف بتنفيذ عملية “سواب” إقترحها مصرف لبنان. وتردّد أن بعض المصارف الذي يحمل قسما من تلك السندات، يسعى إلى بيعها تفاديا لإضطراره إلى إجراء عملية المقايضة.
وفيما كانت بيروت تشهد جولة عنف جديدة أشعلها غضب الثوار وصمت السياسيين الساعين لتقاسم الحصص والمغانم، أنذرت واشنطن لبنان من “سوء إختيار” لهوية الحكومة قد يفضي إلى “سوء معاملة” في شقّ المساعدات، حين ربطت دعمها لحكومة قادرة على إجراء إصلاحات ملموسة وتلبي مطالب اللبنانيين بالقضاء على الفساد المستشري والتجاوب مع مطالبهم بحكم أفضل وفرص اقتصادية، وتلبي ايضا مطالب المجتمع الدولي، لأنها “وحدها ستكون قادرة على إستعادة ثقة المستثمرين وإعادة فتح الباب أمام المساعدات الدولية للبنان.. هناك تفاهماً دولياً قويا حول هذه القضية، وليس هناك طريق آخر للمساعدة الدولية غير إصلاحات حقيقية تقوم بها حكومة ذات صدقية وقادرة”.
هل يندفع السياسيون في هذا الإتجاه؟ ولمَ ارتفعت حماوة الثورة التي فتحت “باب الشغب” على مصراعيه منذرة بتصعيد حركة الشارع بعد 95 يوما من التظاهر السلمي؟
حتى اليوم، يبدو أن السلطة في وادٍ واللبنانيين في آخر، فيما المجتمع الدولي يحذّر ويحدّد الخطوط الحمر التي لا يفترض تجاوزها، لأن العواقب ستكون وخيمة. إذ لن يُحرم لبنان فقط من المساعدات المالية والتقنية المقدرة حاجته إليها بما بين 15 إلى 20 مليار دولار، بل سيُخفّض تصنيفه إلى درجات التعثر بما يرفع سقف التكاليف التي يتكبّدها، سواء لجهة خدمة الدين العام وإنسحابها على “العجزين التوأمين” (العجز المالي وعجز ميزان المدفوعات الناجم عن عجز الميزان التجاري)، فضلا عما سيواجهه من عجز في التوّجه الى الأسواق الدولية للإستدانة، أو سواء لكلفة الإقتصاد وتأثيرها على دورة الإنتاج المشلولة وإنعكاسها على معدل النمو الذي يترّنح تحت سقف الصفر.
تداعيات يزيد منها ما يرخيه المشهد السياسي من أعباء متأتية من رياح العقوبات، حيث يبقى “حزب الله” هدفا لتصنيف إنزلقت إليه بريطانيا بعد الولايات المتحدة، ولم تعد تميّز بين شقّه السياسي والعسكري، فيما تواصل واشنطن حضّ دول العالم على تصنيفه “مجموعة إرهابية”.
إدراج الحزب لن يقتصر على تجميد كامل الأصول، كما حصل فور تصنيف قرار الخزانة البريطانية، بل سيشمل قنواته المالية في لبنان وفي أنحاء العالم، فضلا عن سلسلة ضغوط ترافق حركة إنتقال الأموال من لبنان وإليه، من دون إستثناء التحركات المالية داخل لبنان، سواء أكانت تمرّ بالنظام المصرفي أو خارجه. هي حرب لن تنتهي، وستعاني منها مصارف لبنان الموضوعة تحت الشبهات، ما دامت واشنطن مستمرة في حربها ضدّ إيران لكسر نفوذها النووي المتشعب في منطقة الشرق العربي، والنيل من أذرعها العسكرية، وفي مقدمها “حزب الله”.
حلقة العقوبات الأميركية تتسع لمكافحة “الإرهاب” و”الفساد”، وهما الحلقات التي تسعى واشنطن إلى تشديد الخناق عليها، بدليل المتوقع صدوره هذا الشهر من لائحة بأسماء “فاسدين لبنانيين” من سياسيين ورجال أعمال، كانت لهم اليد الطولى في مسلسل هدر الأموال العامة أو نهبها. هو مطلب لوحظ سقوطه من خطاب الثورة اليومي، في تحوّل يخشى أن يسجل لمصلحة السلطة السياسية بعد سقوط المطالبة بإستعادة الأموال المنهوبة وإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين، وتحويل التحركات وتأجيجها نحو مصرف لبنان والمصارف وتحميلهما مسؤولية كل الأزمة، رغم إقرار الجميع بأنها أصل الأزمة سياسي وليس نقديا.
ثوار لبنان والمجتمع الدولي في إنتظار ولادة الحكومة. لكن، لا مفاجآت متوقعة، فالأسماء المرشحة عكست التباعد ما بين خيارات السلطة وحجم الإنتظارات، وإغفال الترابط ما بين “سوء الإختيار” و”سوء المعاملة”… رغم “السبت الأسود”! المصدر: Arab Economic News