المودعون والمصارف… و”التشاطر” ثالثهما

خالد أبو شقرا

ما بنته المصارف اللبنانية على مدار عقود من الزمن من سمعة طيبة، تدمّر في خمس دقائق. من بعدها، تحوّلت كل تصرفاتها إلى مشبوهة، ولم يعد هناك فرق إن كانت الإجراءات التي تتخذها خاطئة أم صحيحة. فاستخدامها اليوم أي صلاحية من صلاحياتها التي كانت تتغاضى عن تطبيقها أيام الرفاه “يقيم الدنيا ولا يقعدها”.

إنتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لكتاب مصرفي يجبر فيه أحد البنوك المودعين، على توقيع تعهد بعدم مطالبة المصرف بسحب أي مبلغ نقداً بالعملة الأجنبية مهما كان نوعها. والموافقة على حق المصرف بالامتناع عن تنفيذ أي حوالة إلى الخارج سواء كانت لأسباب طبية أو لتأمين المصاريف الدراسية أو المعيشية لأيٍ كان خارج الاراضي اللبنانية. وذلك لو كانت المبالغ بالعملة الاجنبية متوفرة في حساباتنا لديه.

رابطة المودعين اعتبرت ان تصرفات البنوك تناقض حرية التحويل من وإلى لبنان المكفولة في النظام الاقتصادي الحر وفي مقدمة الدستور. وحذرت المودعين من عدم الرضوخ والتجاوب مع الأساليب الملتوية التي تتبعها المصارف. وبحسب عضو الرابطة نزار غانم فان “المصارف لا تملك الحق بمنع التحويل إلى الخارج في ظل غياب قانون واضح وصريح لـ “الكابيتال كونترول” يحدد الشروط والموجبات. وبرأيه فان “هذا الكتاب هو نوع من أنواع “السلبطة” والتهويل على المودعين، الذين يجب ان يمتنعوا عن التوقيع على أي مستند قبل تمحيصه قانونياً. فهناك محاولة من الطبقة السياسية والمصارف لتحميل المودعين كلفة الأزمة المالية. في حين انه في الأنظمة الاقتصادية الحرة تتحمل المصارف الخسائر وليس زبائنها. حيث يعلن المصرف غير القادر على إرجاع أموال المودعين، إفلاسه.

التذاكي سيد الموقف

محاولات المودعين المشروعة في تحصيل أكبر قدر ممكن من حقوقهم من المصارف دفعت الأخيرة إلى استخدام كامل صلاحياتها التي يجيزها لها القانون. فمقابل طلبات المودعين المتزايدة بتحويل أرصدتهم من الليرة إلى الدولار، تلجأ المصارف إلى اشتراط تجميد المبلغ لفترة زمنية معينة قد تصل إلى أكثر من سنة، وأخذ تعهد من المودع بعدم المطالبة بتحويل أي مبلغ إلى الخارج. و”لعل هذ الكتاب يندرج في السياق نفسه”، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن. “فالمصارف التي فقدت سيولتها بالعملة الأجنبية وتواجه ضغطاً متزايداً من مصرف لبنان على سحوبات الليرة أو شراء الدولار، تعمد إلى حماية نفسها باجراءات مشروعة ومطبقة في أغلبية المصارف العالمية. حيث ان عملية تحويل الاموال، كما وسحب الاموال بعملة غير عملة البلد، تبقى خدمة يقدمها المصرف وليست لزاماً عليه. وبامكانه إدارجها ضمن العقد الموقع مع الزبون مقابل بدل مالي، أو رفضها. وهي تعتبر حقاً من حقوقه”. إلا ان المشكلة بحسب الخازن ان “المصارف اللبنانية التي شرّعت كل الخدمات وقدمت أكثر بكثير مما هو مطلوب منها في أيام البحبوحة، أصبحت تواجه اليوم نقمة شعبية عارمة عند تطبيقها أي إجراء يحميها من المخاطر أو يحد من خسائرها”.

وما يحدث ان الكثير من الزبائن يعمدون بعد التوسط لتحويل أرصدتهم من الليرة إلى الدولار إلى رفع دعاوى قانونية وتوجيه إنذارات رسمية إلى المصارف لتحويل جزء منها إلى الخارج. وبغض النظر ان كان بت المحاكم لصالح المودع في هذه القضايا فيه الكثير من المغالطات، فان المصارف اتخذت قراراً واضحاً بحماية نفسها. وبرأي الخازن “فان الكتاب موضع الاشكالية واضح وضوح الشمس” ولن يقدم أي عميل على توقيعه إلا إذا كان له مصلحة في ذلك، كتحويل جزء من امواله المودعة من الليرة الى الدولار”.

تحرير سعر الصرف

استخدام البنوك صلاحياتها باعتبار ان التحويل إلى الخارج، وإعطاء الدولارات للزبائن، خدمة مصرفية غير مجبرة على تقديمها، “يحتم في المقابل تحرير سعر الصرف”، يقول غانم واعطاء الاموال بالليرة اللبنانية بحسب قيمتها السوقية الفعلية، أي 8200 ليرة اليوم مقابل كل دولار. وإلا تكون المصارف تنفذ “هيركات غير مقونن بنسبة تتراوح بين 60 و80 في المئة. وهذا يعتبر قمة الظلم بحق المودعين”. وبرأي غانم إن “اعطاء الودائع بالعملة الأجنبية بالليرة بقيمتها الفعلية، ينفي الاصرار على تحصيلها بالدولار أو تحويلها من خلال المصرف، حيث يصبح بامكان المودع تصريفها في السوق الثانوية، والتصرف بها كما يشاء”.

العلاقة بين المصارف والمودعين التي تخطت بحسب الخازن “كل النظم والقوانين وطرق التعامل المحترفة، وأصبح ينطبق عليها المثل القائل “بالموجود جود”، تتطلب تنظيما ًجديداً. ولعل أهم هذه الاجراءات الواجب اتخاذها البارحة قبل اليوم، هو تشريع قانون “للكابيتال كونترول”، حيث انه مهما كان هذا القانون قاسياً فهو لا يحرم المودعين نهائياً من قدرتهم على تحويل جزء من أموالهم للخارج لأغراض التعليم أو الاستشفاء أو دفع النفقات أو حتى نقل قسم الى مصارف خارجية، وذلك على عكس ما يحصل اليوم مع كل المصارف. حيث ان تحويل دولار واحد لدى بعض المصارف يتطلب تشريعاً من مجلس النواب وتعميماً من جمعية المصارف وتدخلاً من لجنة الرقابة وصولاً الى قرارات قضائية”.