وجّهَ رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل كتاباً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي ما يلي نص الرسالة:
السيّد الرئيس،
اتوجّه اليكم بهذه الرسالة على أثر نكسة كبيرة أصابت مشروع الإصلاح في لبنان وأصابت بالتالي جوهر المبادرة التي سبق ان أطلقتموها إبّان زيارتكم للبنان في الأول من أيلول الماضي بمناسبة ذكرى مئويّة لبنان الكبير، والتي تمّ الإتفاق عليها معكم في قصر الصنوبر؛ وهي مبادرة هدفت للحفاظ على هذا اللبنان وتمحورت حول وجوب قيام الدولة بإصلاحات جذرية وبنيوية للنظام المصرفي والمالي والإقتصادي من خلال المجلس النيابي ومن خلال حكومة «مهمّة» قادرة على تنفيذ برنامج الإصلاح، على أن تقوموا من جانبكم بالمساعدة من خلال تشجيع الدول على المشاركة في برنامح دعم للبنان مقابل إصلاحات يجريها، وهي تتوافق أصلاً مع مصلحة الوطن العليا.
وفي ظل أزمة السيولة ونقصان أموال المودعين اللبنانيين في المصارف اللبنانية والفجوة المالية الكبيرة التي ظهرت في حسابات مصرف لبنان، كان من الطبيعي أن يكون في مقدمة الورقة الإصلاحية، إصلاح النظام المالي والمصرفي من خلال إجراء التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي اللبناني وإقرار قانون ضبط التحويلات المالية الى الخارج.
للأسف إن هذا القانون لم يُقرّ بعد بالرغم من أننا تمكّنا في التيار الوطني الحر من تقديم إقتراحات بخصوصه الى مجلس النواب كانت قد حظيت بموافقة بعض الكتل النيابية، وسرعان ما تهاوت عند طرحها في جلسات مجلس النواب؛ ومن البديهي القول إنّه بمرور أكثر من سنة على الأزمة المالية المتفجرّة من دون إقرار هذا القانون، فهذا دليل على وجود فساد مستتر بتهريبٍ إستنسابي للأموال الى الخارج في ظل ندرة السيولة وانخفاض الإحتياطي اللازم لشراء الحاجيات الحياتية الأساسية من الخارج.
السيد الرئيس،
كنّا ناشدناكم أن تساعدونا من خلال المجموعة الأوروبية على الكشف عن الأموال المنهوبة والمهرّبة إستنسابياً منذ 17 تشرين 2019 وإعادتها الى لبنان للتخفيف من حدّة الأزمة وتصغير حجم خسارة المودعين، ونعود لنناشدكم مجدّداً مساعدتنا حسب الأصول والقوانين المعمول بها دولياً لوقف مسلسل تهريب الأموال الفاسدة وكشف المتورّطين فيه؛ وفي ذلك مساعدة للبنانين على التمييز بين الإصلاحيين والفاسدين، وهو ما من شأنه أن يصلح الحياة السياسية في لبنان، وأن يؤدّي للمرّة الأّولى في تاريخه الى اعتماد مبدأ المحاسبة.
لقد عجز المجلس النيابي حتى تاريخه عن إقرار عدد من قوانين مكافحة الفساد التي تقدّم بها تكتّلنا النيابي، والتي من شأن إقرارها ضرب الفاسدين ووقف مسلسل سرقاتهم العامّة، ومن هذه القوانين إستعادة الأموال المهرّبة، وكشف تلقائي لحسابات وأملاك كل قائم بخدمة عامة، وإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية.
كذلك فإن المجلس النيابي قد تأخر حتى تاريخه في إقرار قوانين إستقلالية القضاء، والشراء العام الواردة في مبادرتكم، والتي لا مبرّر للتأخر بإقرارها، خاصةً وأن الأمر لا يحتاج الى وجود حكومة بكامل صلاحيّاتها.
هذه الحكومة التي اتفقنا معكم على معايير تشكيلها لتكون واحدة على الجميع، ولتكون حكومة قادرين على التنفيذ، ومدعومين من الكتل النيابية وحائزين بالتالي على ثقة الشعب اللبناني والمجلس النيابي والمجتمع الدولي. لقد تأخر تشكيلها للأسف، من جهة، بسبب ربط البعض عملية التشكيل بأمور من الخارج إنتظاراً لتطورات ومنعاً لعقوبات؛ ومن جهة أخرى، بسبب محاولة البعض الإستقواء بالمبادرة الفرنسية وبالوضع الاقتصادي المزري لفرض شروط غير معهودة خلافاً للدستور والميثاق وضرباً للتوازن الوطني والإستقرار السياسي؛ وهذا ما يمنع بالتالي قيام أي جوّ سياسي مستقر ومؤاتٍ للإصلاح.
كل ذلك، سعينا لتخطّيه ولا نزال، حرصاً على الإصلاح وعلى نجاح مبادرتكم إلّا أن النكسة الكبرى كانت بإلغاء عقد التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان مع شركة دولية متخصصة لأن المنظومة السياسية المالية المتحكمة بالبلاد لا ترى فيه مصلحةً لها، لا بل ترى فيه انكشافاً لمصالحها، وكشفاً للرأي العام اللبناني لحقيقة إرتكاباتها.
وفيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومنذ كان على رأس تكتلنا النيابي يسعى منذ العام 2005 الى تنفيذ هذا التدقيق الجنائي، فإن المتضررين يسعون الى منعه، ولم يتركوا في الفترة الأخيرة وسيلةً إلّا واستعملوها للإنقضاض عليه، ونجحوا فعلاً بتهشيل الشركة المكلّفة بإجراء التدقيق عبر رفض تزويدها بالمعلومات المطلوبة. لقد وجّه الرئيس عون كتاباً الى المجلس النيابي لحثّه على اتخاذ كل ما يلزم للسير بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان واعتباره مدخلاً للتدقيق في كل انفاقٍ عام. ونحن معه سنسعى الى إحقاق هذا الأمر، ونحن ندرك كم أنتم متفقون مع الرئيس عون على أولوية هذا التحقيق كمدخل طبيعي وبديهي لبدء عملية التصحيح المالي وكشف واستعادة الأموال المنهوبة والموهوبة والمحوّلة. ومن هذا الباب، أي حرصكم على لبنان، نكتب لكم بسبب خوفنا على مبادرتكم الخاصة بإنقاذ لبنان، وبسبب تيقننا أنه بامكانكم الضغط على هذه المنظومة الرافضة للتدقيق المالي من خلال كشفها، بما لكم من قدرات في كشف الحقائق عبر النظام المصرفي الأوروبي والدولي.
السيد الرئيس،
إننا مصمّمون، على السير بالتدقيق الجنائي وبالإصلاح حتى النهاية وإني على يقين بأنّكم، وفرنسا، لن تتركوا الشعب اللبناني وحيداً في هذه المعركة.
جبران باسيل
رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ