جاء في “الراي”:
دَخَلَ لبنان، مرحلةً حاسمة في «معركة الأنفاس الأخيرة» مع وباء «كورونا» الذي تَجاوَز عدّادُ إصاباته التراكمية مئة ألف، فيما لم تبرز أي مؤشرات إلى أن ملف تشكيل الحكومة الجديدة اقترب من إنهاء «رحلة الألف ميل» رغم كل الأزمات العاتية التي تعصف بالبلاد.
وفي حين بدأ لبنان أمس تطبيق قرار الإقفال التام حتى نهاية تشرين الثاني لزوم محاولة احتواء «كورونا» وسط رصْدٍ لمدى جدية السلطات في فرْض الالتزام به (رغم الاستثناءات الواسعة التي تضمّنها) ومدى قدرتها على إلزام القطاعات المشمولة بالإغلاق وتنفيذ حظْر التجول اليومي (من الخامسة عصراً حتى الخامسة فجراً) وسير الآليات وفق قاعدة «المفرد مجوز» نهاراً، لم يكن أصدق تعبيراً عن الواقع الذي «يفوق الخيال» الذي تعيشه «بلاد الأرز» من كلام السفير البريطاني كريس رامبلينغ الذي قال و«بصريح العبارة» إن «إحداثاً عدة لا يمكن تَصوُّرها حصلت في 2020، ولكن يأتي في قمّتها أن لبنان لم يتمكّن بعد مئة يوم على الانفجار (المرفأ) من تشكيل حكومة»، ليضيف «التاريخ لن يرحم».
وشكّلت تغريدة رامبلينغ عيّنة من «الدهشة» التي لم تعُد الدول ولا ممثّلوها في لبنان يخفونها بإزاء استمرار تعليق مسار تأليف الحكومة الذي يقوده الرئيس سعد الحريري الذي يَدخل تكليفُه الأسبوع المقبل شهرَه الثاني من دون أن تلوح في الأفق إشاراتٌ إلى أن التعقيدات التي يتشابك فيها السياسي بـ «المحاصصاتي» باتتْ قاب قوسين من التفكيك، بل على العكس ثمة مَن يخشى أن تكون الظروفُ الاقليمية ومقتضياتُ انتظارِ تَسَلُّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد الحُكم وضروراتُ تفادي مختلف الأفرقاء المحليين الوقوع في «مرمى» عقوبات «الوداع» لإدارة دونالد ترامب أو استيلاد حكومة تدير الظهرَ لشروط المجتمعيْن العربي والدولي، كلها عوامل ربما تشكل تقاطعاتٍ تدفع باتجاه ترْك الحكومة مُعلَّقة للسنة الجديدة ما لم تبرُز مفاجآتٌ تقْلب هذه القراءة.
وكان الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل آخِر من عاينوا «على الأرض» ومباشرةً من المُمْسكين بملف الحكومة وكل المعنيين به من رؤساء وكتل نيابية مكامن الصعوبات التي تعترض مهمة الحريري الذي يحمل لواء المبادرة الفرنسية كخريطة طريق لحكومةٍ من اختصاصيين غير حزبيين ولكن غير معادين للقوى السياسية وبعيداً عن المحاصصة التي يرسم المجتمع الدولي خطاً أحمر حول أي عودة إليها بوصْفها من «قواعد العمل» القديمة التي حالت دون تطبيق الإصلاحات التي حوّلت لبنان «دولة خردة» والتي تعني استنساخ تجربة حكومة الرئيس حسان دياب بالتأثير الأكبر لـ «حزب الله» عليها.
ومع مغادرة دوريل بيروت، أمس، بدا واضحاً أن الموفد الفرنسي أجرى استطلاعاً ميدانياً لحقْل الألغام الذي انزلقتْ إليه المبادرة، من دون أن ينجح في تحقيق أي خرْق مباشر في جدار التعقيدات، رغم تحذيراته من أن عدم تشكيل الحكومة بحلول نهاية تشيرن الثاني قد يطيح بمؤتمر دعم لبنان الذي تنوي باريس عقده في كانون الأوّل المقبل أو قصْره على الجانب الانساني وعبر منظمات غير حكومية، وأيضاً رغم «نجاحٍ دُخاني» شكّله «تواصُل الأمر الواقع» بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وذلك في اللقاء الذي جمع الأخير والموفد الفرنسي الذي بادر إلى الاتصال بالرئيس المكلف خلال الاجتماع قبل أن يحوّل السمّاعة إلى باسيل.
وفيما عَكَس هذا الاتصال «القَسْري» إقراراً من باريس بأن جانباً رئيسياً من العقبات أمام ولادة الحكومة يتمثّل في الخلاف بين مقاربتيْ الحريري وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون لهذا الملف ومعاييره المطلوبة والتي باتت لها أبعاد أخرى بعد العقوبات الأميركية على باسيل، فإن إشاراتٍ عدة صدرت في الساعات الماضية وتعزّز المرتكزات التي ينطلق منها الرئيس المكلف لعدم تكرار تجارب سابقة ستكون «حارقة» لآخِر جسور إفلات لبنان من السقوط في الجحيم.