المطران عودة: الحياة قصيرة فلماذا التمسك بالكراسي والمناصب والأموال؟

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس وسط بيروت.
 
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “يبرز لنا إنجيل اليوم شخصيتين متناقضتين: الأولى شخصية رجل غني يملك كل ما يريد من المأكل والمشرب واللباس، والثانية لرجل مسكين اسمه لعازر، كان مطروحا عند باب الغني، مقرحا، جائعا، يشتهي فتات مائدة الغني. تناقض آخر نلاحظه، هو أن الغني، الذي أعطاه الرب صفة إنسان، ظهرت الكلاب التي كانت تلحس قروح لعازر أكثر إنسانية منه”.
 
أضاف: “يقول الرب يسوع: إن المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله. يلفت الرب نظر سامعيه إلى أن ما هو مستحسن في عيون الناس ليس بالضرورة حسنا في عيني الله، كالمال مثلا. حتى التقوى الظاهرية التي يحبها الناس، قد تكون طريقا نحو الكبرياء، التي هي رجس قدام الله. إن الفقر ليس عيبا كما أن الغنى ليس خطيئة. في فقره يعرف المسيحي أنه أغنى البشر وأنه يمتلك كل شيء. يقول الرسول بولس: كأنا محزونون ونحن دائما فرحون، كأننا فقراء ونحن نغني كثيرين، كأننا لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء. وهو يوصي الأغنياء بألا يستكبروا وأن يلقوا رجاءهم على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، وأن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساسا حسنا لكي يمسكوا بالحياة الأبدية. يقول الرب: لا تقدرون أن تخدموا الله والمال، لأن المال ينتصب سيدا بلا رحمة ويخنق عند الإنسان الجشع كلمة الله. اما من استعمل ماله في مساعدة أخيه الإنسان فهذا يعبد الله ويستخدم المال للخير والعطاء”.
 
وتابع: “إن الغنى الحقيقي ليس في ما نملك بل في ما نعطي لأن العطاء يستمطر سخاء الله. نقرأ في أعمال الرسل أن الرب يسوع قال إن العطاء مغبوط أكثر من الأخذ. الغني في إنجيل اليوم يذكرنا بالابن الشاطر، الذي أنفق أمواله على ملذات الدنيا، لكن الفقر الذي عاشه بعدما خسر كل شيء يذكرنا أيضا بلعازر. الفقر أعاد الابن الشاطر إلى الأحضان الأبوية، في حين أن الغنى أخرجه منه. لعازر، الذي يعني اسمه الله يعين، يمثل كل إنسان ليس لديه من يعينه، وما أكثرهم في العالم، وفي بلدنا خصوصا. ترنيمة يا رب القوات كن معنا، فإنه ليس لنا في الأحزان معين سواك، يا رب القوات ارحمنا، نرتلها في الصوم، لأننا نتخلى في تلك الفترة عن كل الماديات، ونعود إلى أحضان الله الآب المعين الوحيد. لعازر، لم يكن لديه معين، لذا أرسل له الله الكلاب لتلحس قروحه، مثلما فعل قديما مع النبي إيليا عندما أرسل إليه الغراب لكي يطعمه. يقول كاتب المزامير: لا تتكلوا على الرؤساء، ولا على ابن آدم، الذي ليس عنده خلاص، تخرج روحه فيعود إلى ترابه. في ذلك اليوم نفسه تهلك كل أفكاره. هذا ما حصل مع الغني، المجهول، الذي مات فدفن في التراب، وباد ذكره من الأرض، أما لعازر فحملته الملائكة إلى أحضان إبراهيم. نرتل في خدمة الدفن: في لحظة واحدة، جميع هذه الأشياء يعقبها الموت. إن تأمل الإنسان بهذا القول يدرك أن كل شيء فان وأن الحياة قصيرة مهما طالت. فلماذا إذا التمسك بالكراسي والمناصب والأموال والممتلكات والملذات؟ منذ فترة ليست ببعيدة عاينا كيف يمكن لكل شيء أن يفنى في لحظات قليلة، فهل من يتعلم مما حدث؟”
 
وقال: “الموت أظهر المرتبة الحقيقية لكل من الغني ولعازر. كان لعازر الفقير في وضع يرثى له مقارنة بالرجل الغني. يذكر يسوع اسم الرجل الفقير مشيرا إلى أهميته في نظر الله وإلى تدوين اسمه في السماء. أما الغني فلا يذكر له اسم لا في الكتاب المقدس ولا في السماء. وكانت تفصل بينهما هوة، نار جهنم من جهة ومؤاساة السماء في حضن إبراهيم من جهة أخرى. عند الموت ذكر لعازر أولا، موضوعا في رتبة بهية، في أحضان إبراهيم، بينما الغني المجهول كان مكانه مجهولا أيضا. قال الرب: كثيرون أولون يكونون آخرين، وآخرون أولين. لذلك على الإنسان ألا ييأس إن لم يكن من علياء القوم على هذه الأرض، لأن هذا سيكون بركة له. لم يذكر الرب أي خطيئة للغني سوى أنه اهتم لنفسه فقط، ولم يأبه لأخيه المسكين. هذا ما تحدث عنه النبي عاموس الذي قال إن الرب سيرسل قضاءه على الذين يمرغون رؤوس الوضعاء في التراب، ويزيحون المساكين عن طريقهم، أي على الذين يحتقرون المساكين ويتسببون بأذيتهم. ما أغضب الله في الغني كان قسوته وعدم رأفته مع لعازر. رذيلته هي الأنانية والكبرياء. تجاهل أخاه لعازر المطروح على بابه فيما كان يتنعم هو بالخيرات، فكان جزاؤه عذاب جهنم”.
 
أضاف: “من كان غنيا ويرمي فتات مائدته للعازر، أصبح ينتظر قطرة ماء من لعازر نفسه ليبل بها طرف لسانه. أصبح الغني مستعطيا، يعيش ما جعل لعازر يعيشه سابقا. العدالة الإلهية تعكس طريقة عيشنا على هذه الأرض، فمن كان رحوما يرحم، ومن كان ظالما ولم يتب، يحصل على جزاء أفعاله، لهذا يقول الله للغني: تذكر يا ابني أنك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه، والآن فهو يتعزى وأنت تتعذب. على الإنسان أن يتذكر أن كل ما يقوم به هنا، علنا أو سرا، سيحاسب عليه هناك، ولا يهم إن حصل على المال والسلطة وشعر أن بإمكانه أذية الآخرين فقط لأنه قوي. الله عادل وقوته لا حد لها، وسيدين الجميع”.
 
وتابع: “لا ننتظرن العجائب لكي نؤمن، بل فليكن إيماننا مؤسسا على صخرة المسيح. العجائب قد تشدد الإيمان الموجود أصلا. لذا، على كل مسيحي أن يعرف كلام الرب ووصاياه، وهذا ما قصده الله بقوله للغني: إن عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم. كيف نصدق العجائب ولا نصدق كلام الرب الوارد في الكتاب المقدس؟ كيف ندعي المسيحية ولا نعرف ما يطلبه المسيح منا؟ لذلك يتابع الرب قوله: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنهم، ولا إن قام واحد من الأموات، يصدقونه. كل إيمان لا يبنى على كلمة الرب باطل، لأنه يقود إلى الكبرياء القاتلة للنفس. وكل إيمان خال من المحبة لا يمكنه أن يكون حقيقيا، لأن الله محبة”.
 
وختم عودة: “في النهاية، تذكروا دائما أن الدينونة آتية لا محالة. سيدين الله الخليقة على قدر المحبة الذي قدمته للعطشان والجائع والعريان والغريب والمسجون… تذكروا أن الآخر هو دينونتنا، وهو يحمل مفاتيح بابنا نحو الملكوت. أحبوا الجميع، لا تفرقوا بين شخص وآخر عندما تحبون، أحسنوا إلى الكل، وهكذا تضمنون الجلوس معه في السماويات في المسيح يسوع”.