لُبنان يموت جوعاً

ما يفعله ساستنا المتربعون على كراسيهم العاجية، وما تنتجه بنات أفكارهم من مشاكل وقلاقل وتداعيات، أودت بنا وبالبلاد إلى حيث لا يحسد عليه مخلوق على وجه المعمورة.

شعب يعيش على نمط مرحلة القرون الوسطى وربما أبعد، في مرحلة الكهوف والغابات، بات لا يؤمن بدولة القانون والمواطنة، ولا يريد ديموقراطية حقيقية، يريد فقط طعاماً لبطونه الفارغة وطحيناً لخبزه اليومي المُتَاجَر به، بعصا وزير الاقتصاد من جهة ومطرقة نقابة الأفران من جهة ثانية.باتت مشاعر الإنتماء الوطني معدومة. حتى ثورة تشرين الباسلة كانت مجرد إندفاع عاطفي، لم ينتج عنها مشروع وطني ناضج، ولم تُنجِب نخباً سياسية وطنية فاعلة.والآن بعد فشل كل الأفكار الجميلة العقلانية المتطورة في لبنان، كالديموقراطية ودولة المواطنة والقانون، لابد من التحرك لوقف الإنهيار الشامل في البلد، والبحث عن حلٍ يناسب طبيعة الشعب العاشق للتحرر. ولم يعد أمامنا غير خيار الدكتاتورية الإيجابية لضبط الفوضى والعشوائية والسلوك التدميري والفساد والعمالة وهدرالثروات.يشهد لبنان أسوأ ازمة مالية تهدد كيانه وابناءه، لم يعرفها في الحروب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي ١٩٧٥و١٩٩٠، حيث تفاقمت المتاعب الاقتصادية، التي كانت تختمر منذ مدة طويلة لتتحول الى ازمة مالية كبرى. لغاية الآن ترفض الدول المانحة وصندوق النقد الدولي مد يد العون، او الحصول على قرش واحد منها من دون إصلاحات جدية والقضاء على الفساد الحكومي والمسبّبين الأساسيين لهدر المال العام. وما زالت الوفود تذهب وتعود فارغة الجيوب والبلد في عين العاصفة، والأزمة تطال آلاف اللبنانيين الذين يتوجهون الى مربع الفقر بعدما فقدوا كل قدراتهم الشرائية.بتنا لا نسمع اليوم سوى عبارة واحدة، “بدنا نفل من لبنان”، مواطنون لبنانيون من كل المناطق اللبنانية وكل الديانات السماوية وطوائفها ومذاهبها امام ابواب السفارات، يُناشدونها قبول طلبات الهجرة، ويعبرون عن مآسيهم وآلامهم. فما يجمعهم الفقر والعَوَزْ، وفقدان الأمل بأي مستقبل واعد، يُهدد ٦ ملايين نسمة بأكبر مصيبة اجتماعية تضرب البلاد.عندما نصبح في ازقة وشوارع مدن فقيرة، نواجه الفقر والمرض والموت، ولا يهتم لأمرنا أحد اعرف انك في لبنان العظيم!وعندما تُنصَب التماثيل لشخصيات كانت ضمن أعمدة الطغاة وأتباعهم، ويُشار اليهم بالوطنية والبطولة، فإعلم انك في لبنان الغريب والعجيب!لقد عرف التاريخ الكثير من الطغاة من بين هؤلاء “نيرون” الذي جلس على تلٍّ مرتفع يتسلى بمنظر حريق روما وبيده آلة موسيقى يغني أشعار “هوميروس”. وقد حرّضَ الشعب على الشعب وألصق تهمة حرق روما بالمسيحيين ليتم قتلهم وتعذيبهم ورميهم للحيوانات أحياء لافتراسهم.ان استمرار سياسة نيرون الفاشلة أدى إلى سخط الشعب فباتت رغبته التخلص منه، مما جعل نيرون ينتحر خوفاً مُخلفاً وراءه فوضى عارمة.وما أكثر هذه الأمثلة. حينما يصبح الطغيان متطرفاً يغدو من حق الناس التفكير في الخلاص من التعاسة والشقاء.

باقلامهم – شادي هيلانة