مقنة… حين يتجسّد الانتماء عملاً، وتصبح الأرض شاهدة على من خدمها بصدق

كانت مقنة، البلدة الطيبة بأرضها وأهلها، تعيش زمن الإهمال والنسيان.

سنوات طويلة مضت وهي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة:

لا مياه تروي عطشها،

لا كهرباء تنير دروبها،

لا طرقات ممهدة،

ولا مركز صحي يخفف عن أهلها ألم المرض.

 

كانت بلدة يسكنها الحنين إلى غدٍ أفضل، ولا يطرق بابها إلا التعب.

 

حتى جاء الحاج فادي المقداد…

لم يأتِ بكلامٍ منمّق، بل جاء بهمّ البلدة على كتفيه.

لم يحمل شعارًا، بل حمل وجع الناس.

لم يطلب مجدًا شخصيًا، بل طلب نهضة لمقنة تستحق الحياة.

 

فبدأ من حيث انتهى الآخرون.

أمَّن المياه بعد سنوات من العطش،

وصمّم شبكة كهرباء خاصة لتغذية الآبار،

ومهّد الطرقات التي طالما عانى منها السكان،

وأنشأ مركز مقنة الصحي ليكون الملجأ الأول في وجه المرض.

أعاد تأهيل القصر البلدي ليصبح منبرًا للخدمة لا واجهة شكلية.

 

ولم ينسَ البيئة،

فأطلق محميات طبيعية،

وزرع ستين ألف شجرة، غرسها بيده وإيمانه،

وعاد إلى وادي نحلة ليعيد له الحياة بعد إهمال دام لسنوات،

وأنشأ حديقة التحرير، لتكون متنفسًا لأهالي البلدة، ومعلَمًا يجسّد روح الانتماء والمقاومة.

 

وفي حديثٍ خاص لـموقع “ميدان برس”، قال الحاج فادي المقداد:

“مقنة ما زالت بحاجة للكثير، وعلى رأس الأولويات مشروع الصرف الصحي، ورفع التعديات عن شبكة المياه، لأن من غير المقبول أن تُحرم عائلات من المياه فيما تصل إلى غيرهم دون وجه حق.”

 

لكن ربما أكثر ما يؤلم، هو قوله:

“زرعت أكثر من ستين ألف شجرة… واليوم، لم يبقَ منها سوى الربع.”

 

كلمات تختصر حجم الجهد وحجم الخذلان.

فما زرعه بالأمل، ذبل بالإهمال.

ولكنه لم يتراجع، ولم يندم… لأنه مؤمن أن من يزرع بإخلاص، لا بد أن يُثمر في يومٍ ما.

 

الفرق بين الحاج فادي المقداد وغيرِه لا يُقاس بالكلمات، بل بالإنجازات:

 

هم مرّوا من مقنة…

أما هو، فقد أعاد لمقنة نبضها، وكتب اسمها من جديد على خارطة الوجود.

 

هم وعدوا… وهو أنجز.

هم غابوا… وهو بقي.

هم اكتفوا بالكلام… أما هو، فجعل الأرض تتكلم بفعله.

 

مقنة اليوم ليست كما كانت بالأمس، والفضل لرجلٍ لم يُرد شيئًا لنفسه… بل أراد كل شيءٍ لأهله وبلدته.

 

الاعلامي حسين الحاج_ رئيس تحرير ميدان برس