١٣ أيلول.. يوم أطلق القرار السياسي النار!

في ١٣ أيلول ١٩٩٣، وبدعوة من حزب الله، مشت مسيرة شعبية عند جسر المطار ترفض اتفاقية أوسلو وتندّد بعارِ السّلم والانبطاح. جمعٌ من ناس عرفوا عدوانية الصهاينة عن كثب، عاشوا الاحتلال وويلاته، تجمعوا وهتفوا ضد اتفاقية الذلّ التي تشرّع التخلّي عن فلسطين وتمنح العدو شرعية الوجود بتوقيع عربيّ. جمعٌ انتفض لكرامته وكرامة كلّ الذين تجرّعوا القهر على يد الصهاينة، وتظاهر سلميًا كي يقول إنّ خيار الاستسلام الموقّع عليه في أوسلو هو خيانة، خيانة للدم وللأرض وللكرامات.

 

دقائق قليلة، وانهال الرصاص على صدور المشاركين في المسيرة. نساء ورجال نزلوا لغسل “عار السلم العربي” فكان دمهم هو القربان الذي على صهوة الرصاص، والعضّ على الجرح البليغ ارتفع عاليًا، وظلّ يعلو ويتعالى عن الصدام الداخلي حتى سما، وصارت خيمة له على حدود فلسطين تؤرق العالم كلّه، وتثبّت زمن الانتصارات.

 

سطعت في ١٣ أيلول أسماء تسعة شهداء ارتقوا في مجزرة مشهودة على جسر المطار، سكنة شمس الدين، صباح حيدر، حسن بزي، سمير وهب، محمد عبد الكريم، مصطفى شمص، نزار قانصو، عبود عبود، وعلي طويل؛

تسعة قرابين رُفعت على مذبح رفض الاستسلام ورفض الانزلاق إلى مواجهات داخلية تثلج صدر العدو وتخفّف عنه. ومع ثلة الشهداء، عشرات الجرحى تلقوا الرصاص بالصدور العزلاء، وبظل حال من الذهول المرّ.

 

يومها، تلقّى حزب الله جرحه العميق جدًّا، وتلك لم تكن المرّة الوحيدة، بكل الصّبر الممكن، وبكلّ البصيرة التي أسّست لجميع الخيارات الحكيمة التي اتخذتها قيادة المقاومة والتي كانت أثمانها دومًا عالية. فالدم الذي سُفك على جسر المطار بأمر سياسي لم يكن هيّنًا على القيادة ولا على الجمهور.

 

تجمهر الشبّان في ساحة الشورى، هتفوا بكل ما فيهم من غضب وامتثال لأمر القيادة: “يا شورى يا أفاضل، نريد أن نقاتل”، لم يذهبوا للقتال من دون طلب اذن القيادة الموثوقة، لم يفلت زمام الأمور كما قد يحدث في أي حزب آخر. خرج السيد نصر الله إليهم، وبكلّ حكمته أجابهم: “أنتم تقاتلون أسياد هؤلاء”، أيّ أسياد القرار السياسي الذي أباح دم نسائنا ورجالنا المتظاهرين العزّل. بكلمات قليلة استحال الغضب الموجع رصاصًا مذخّرًا ضد “اسرائيل” فقط، ضد العدو الأصيل، هناك في صافي والرفيع وعلى طول خط التماس مع الشريط المحتل.

 

تكرّر مشهد استسهال إطلاق الرصاص على الصدور العزلاء، في كلّ مرّة انتمت هذه الصدور إلى بيئة المقاومة، وتكررت ثقة الجميع بحكمة المقاومة وقدرتها على احتواء ناسها والسيطرة على شارعها بحيث لا يردّ على النار بالنار وعلى الدم بالدم، وليقينه بقيادة أبدعت في تسطير النصر المبين في كل معاركها، وظلّت رغم كلّ محاولات استدراجها إلى معارك جانبية واقتتالات داخلية، تقاتل “أسياد هؤلاء” وتنتصر!