بمعزلٍ عن كل السيناريوهات والإجتهادات التي تضجّ بها الساحة الداخلية منذ صدور مذكرة توقيف فرنسية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن الثابت قانوناً أن ما من حكم ٍ قضائي فرنسي أو لبناني بحق سلامة، وأن لبنان غير ملزم بتطبيق مذكرة الإنتربول وتسليمه إلى الفرنسيين أو إلى غيرهم. ولكن هذا الواقع لا يعني أنه سيكون من السهل على سلامة، الطعن بالإجراءات القضائية الفرنسية، بحسب ما يكشف عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس مؤسسة “JUSTICIA” الدكتور بول مرقص.
ويؤكد العميد مرقص لـ”ليبانون ديبايت”، أنه اذا لم يحضر الحاكم إلى فرنسا سيحاكم غيابياً، وقد تصدر بحقه مذكرة توقيف ثانية، موضحاً أن ما من إدعاء مباشر على سلامة اليوم إلا في حال عدم توقيفه فيصبح متهما mise en demeure وفق المادة 134 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسية.
وفي المسار القانوني في باريس، يكشف مرقص بأن القاضية الفرنسية كانت أمام خيارين: الأول تكرار الدعوة إلى جلسة الإستماع. والثاني، التشدّد كما فعلت مستندةً إلى نصوص المادة 131 والمادة 695-22 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسية، الذي يتيح لها إصدار مذكرة توقيف دولية إذا كان المطلوب موجوداً خارج فرنسا، وهي اختارت الذهاب الى الخيار المتشدّد، إنطلاقاّ مما لديها من سلطة تقديرية، ونظراً لتخلّفه عن الحضور بعد تعذر تبليغه على نحو غير مقنع، وربما أيضاً لاعتبارها أنه عالم بحصول الجلسة.
ولكن هل ستسلّم السلطات اللبنانية سلامة إلى القضاء الفرنسي؟
عن هذا السؤال يجيب مرقص، أن لبنان كالعديد من الدول لا يسلّم مواطنيه، وفق المادة 20 من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي: “تطبق الشريعة اللبنانية على كل لبناني، فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأرض اللبنانية، على ارتكاب جناية أو جنحة تعاقب عليها الشريعة اللبناني. ويبقى الأمر كذلك ولو فقد المدعى عليه أو اكتسب الجنسية اللبنانية بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة”.
بالإضافة إلى ما نصّت عليه المادة 30 من القانون عينه لجهة الإسترداد:” لا يُسلم أحد إلى دولة أجنبية، في ما خلا الحالات التي نصت عليها أحكام هذا القانون، إلاّ إن كان ذلك تطبيقاً لمعاهدة لها قوة القانون”.
وعليه، يؤكد مرقص أن “مذكرة التوقيف لا تعني حكماً طلب الإسترداد -إلاّ اذا اعتبر الفرنسيون ذلك انطلاقا من كونها مذكرة دولية- الذي يحتاج عادة إلى إجراءات إضافية لم يتسلمها لبنان لتاريخه، والنيابة العامة اللبنانية هي من تقرّر التوقيف أو عدمه بعد أن تتسلم طلب الإسترداد وفقاً لما نصّت عليه المادة 35 من قانون العقوبات اللبناني التي جاء فيها: يحال طلب الإسترداد على النائب العام التمييزي الذي يتولى التحقيق حول توفر أو عدم توفر الشروط القانونية، وفي مدى ثبوت التهمة، ويمكنه أن يصدر مذكرة توقيف بحق الشخص المطلوب استرداده بعد استجوابه ثم يحيل الملف إلى وزير العدل مشفوعاً بتقريره”.
وعن الجهة التي تبتّ بطلب الإسترداد، يوضح مرقص أن “الحكومة في حال قبول الاسترداد، الأمر الذي استبعده، تصدر مرسوماً بناءً على اقتراح وزير العدل”.
ويستدرك مرقص بالإشارة إلى عدم وجود إتفاقية قضائية خاصة بين الدولة اللبنانية والدولة الفرنسية تنصّ صراحةً على التسليم والإسترداد، موضحاً أن ذلك لا يمنع القضاء اللبناني، بل يلزمه أن يفتح تحقيقاً بنفسه في الجرائم الموجّهة إلى أحد المطلوبين من دولة أجنبية، كالجرائم الموجّهة إلى الحاكم سلامة، وصولاً إلى اتخاذ التدابير القضائية اللازمة، ولكن على الأقل داخل الإقليم اللبناني ووفق الشريعة اللبنانية.
ويضيف مرقص، أن “المحاكمة في لبنان تبقى جائزة، كما يمكن لوكلاء الدفاع عن سلامة، طلب وقف التحقيق الفرنسي لعدم المحاكمة بالجريمة نفسها أمام مرجعين قضائيين، كما أنه يمكن للقضاء اللبناني، لا بل يجب عليه، طلب الإطلاع على الملف من القضاء الفرنسي”.
ويؤكد مرقص أن “سلامة، غير مدّعى عليه لغاية تاريخه، لكنه يتحوّل إلى متهم إذا لم يضبط بمقتضى مذكرة التوقيف وفق المادة 134 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسي”.
أمّا في ما يتعلّق بالطعن بمذكّرة التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسي بحق سلامة، يقول مرقص إنه “يجب النظر في ما إذا كان ممكناً فعلاً الطعن بالمذكرة، ودراسة حظوظ هذا الطعن في حال جوازه، وذلك أمام القضاء الفرنسي، وليس الأنتربول، الذي هو مجرد جهاز إداري وسيط”.
والسؤال المطروح يتناول ما سيستند عليه طعن سلامة، لجهة تجاوز القاضية الفرنسية، المهل والأصول، ويعتبر مرقص أنه “يجب قبل ذلك تفحّص ما إذا كانت الأفعال هي نفسها المدّعى بها في لبنان ولا زالت قيد النظر أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبي سمرا؟ وهل سيلجأ هذا الأخير إلى طلب تفعيل البند 25 من المادة 46 من اتفاقية مكافحة الفساد لعام 2003 الذي ينصّ على أنه: يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب أن ترجئ المساعدة القانونية المتبادلة بسبب تعارضها مع تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية جارية”.
ولذا، يخلص مرقص، متسائلاً ما “إذا كان إدعاء المحامي العام في لبنان منذ نحو الستة أشهر تقريبا، وذلك تفعيلاً للتحقيق اللبناني، قد يُستفاد منه الآن للقول إن هناك تحقيقاً جارياً في لبنان؟”.
المصدر:ليبانون ديبايت