كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس: محورية التركيز في اليوم العالمي للصحافة الذي أقرته منظمة الاونيسكو هو وجوب التمييز المعرفي و التفريق الموضوعي بين ثلاث حريات إفتراضية في مجتمع تحكمه ديمقراطية الفوضى و تتحكم به تداخلية السلطات كونه مجتمع مركّب ظاهريا و غير متماسك واقعا . هذا المثلث هو حرية الصحافة و حرية المؤسسة و حرية الصحافيين .
و استنادا الى هذا التقسيم يمكن مقاربة أزمة حرية التفكير و التعبير التي تحكم العلاقة بين المكونات المجتمعية للصحافة في رسالتها المعرفية و دورها الإخباري و التنويري و وظيفتها الإنسانية ، إضافة الى وضعيتها المؤسساتية في عملية الانتاج و الاستثمار المادي في صناعة الاعلام و البرامج و التوظيف التجاري ، كمؤسسة تجارية تبغي الربح و تعتمد نظاما اقتصاديا يقوم على إتباع التوازن الحسابي و اعتماد سياسة مالية واقعية تبقيها على قيد الصدور من دون أي إرتهان يحد من حريتها و يشوه رسالتها.
ان الكيانية الفكرية التي تنماز بها الصحافة اللبنانية مذ نشأتها ، تتركز بأساسياتها على التمتع بخصوصية الحرية و التعمق بممارسة فلسفة حرية التفكير و إنضباطية التعبير ، توافقا مع مسؤولية الكلام و جدية الموقف و رصانة الرأي الواجب توفره في الصحافة .
و يشكل سؤال الحرية القضية الأبرز التي تعترض تألق الإعلام في مسيرته الكيانية و القيام بدوره كشريك في تحمل و صناعة المسؤولية الوطنية و المجتمعية و تحصين الدور المهني للإعلامي و حماية رسوليته و إحترافيته و تحريرها من كل ما يعكر صفاء أجواء الحرية التي ينماز بها لبنان من خلال صحافته الحرة و العريقة.
ينبثق عن هذه الاشكالية سؤال فرعي ما إذا كان
الكلام عن الحرية ينحصر بحرية الصحافة داخل المجتمع السياسي ، أم حرية الاعلامي داخل مجتمع المهنة كمؤسسات و تنظيمات نقابية .
تنتظم هرمية السلطات في المجتع الديمقراطي ، و يكتمل عقدها بسلطتين معنويتين : سلطة الاعلام بتراتبيتها الرابعة و سلطة الفكر النقدي في مركزيتها الخامسة ، ما يؤكد التوازن و الاتزان بين تكوينات السلطات بتكامليتها ، تشريعيا و تنفيذيا و قضائيا و الاضطلاع بمسؤوليتها مهنيا و معرفيا و البقاء في خدمة الحقيقة و تقصي الحقائق و متابعة تطور القضايا وصولا الى النتائج الصلبة و الدفاع عنها ، كي لا تبقى الحقيقة يتيمة.
مبدئيا تكون حرية المؤسسة الاعلامية و حرية الاعلامي من حرية النظام و حرية النظام من حرية المجتمع. هذه الثلاثية تتكامل لتشكِّلَ مجتمعاً إعلامياً مُتَراصّاً يكون بحق سلطة وازِنة و حكيمة هي السلطة الإعلامية بمعنى انها مسؤولية خالصة.
و حماية لمفهوم الصحافة و الاعلام ، و تحصينا لدورِ العاملين في المؤسسات النظامية ، و تاكيدا لقيمة الحصانة المهنية التي يجب ان يتمتع بقيمها و مفعولها الصحافيون و الإعلاميون النظاميون ، و حفاظاً على الكيانية النقابية و المهنية للإعلامي ، فمن الواجب الدعوة الى التمييز قانوناً و لَفْظاً و معنىً ، بينتسميات الصحافي و الاعلامي و التفريق بينهما و بين المُدَوِّن و المُغَرِّد و كُتّاب المواقع و روّاد وسائل التواصل الاجتماعي ، و وجوب الفصل بين التوصيفات التي تحكم عملهم و هواياتهم ، مع إحترام كامل لحرية و رأي كل شخص من موقعه الفردي و ليس المؤسسي. و بإنتظار إقرار قانون الاعلام الالكتروني ، نتطلع الى تحديث دائم للقوانين الناظمة للاعلام مراعاة للمتغيرات و توافقا مع العصرنة التي تستوجبها إنتظارات اللبنانيين وتطلعاتهم نحو إعلام اكثر حداثة ، شكلا و مضمونا و اهدافا.
إنَّ مهمة تحصين دور الإعلامي في مجتمع تماهى فيه الحق بالحرية بديمقراطية الفوضى ، يكون بالتركيز على ان حريّة التعبير تَرتبطُ بنيويا بتوفير حرية التفكير من دون اسقاطات و توزيع القاب و إغداق صفات لتوفير حمايات لغير مستحقيها .
و الحريتان تتلازمان و تنسلان جذريا من الحرية التي توفرها المؤسسة للإعلامي، بعيدا عن المنع و الصد و الترهيب و التعسُّف و الإسغتناء و الطرد و الإقالة .
و إذْ أُهنئ الصحافة اللبنانية و الإعلاميات و الاعلاميين و العاملين في خدمة الحرية و الحقيقة بهذا اليوم الحاملِ مَجْدَ الإسهام ببناء مجتمعٍ لبناني اشد وطنية و أرسخ إلتزاماً و أصْرَحَ انتماء و تفاعلا انسانيا ، اتمنى لنقابة المحررين و نقابة الصحافة و نقابة العاملين بالمرئي والمسموع و التنظيمات الاعلامية القانونية ، كل النجاح للبقاء في جهوزية دائمة لخدمة الوطن والانسان و الكلمة الحرة و الموقف الجريء و الجهر بالرأي الحر و المتحرر من اي ضغوط . فلا لبنان خارج مناخ الحرية ، و لا صحافة من دونها .